
تحقيقات تتهم صلاح قوش في قضية تثير جدلاً واسعاً
متابعات _ الهدهد نيوز _ نفى المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية، العميد نبيل عبد الله، صحة التصريحات التي أدلى بها النائب العام الإماراتي بشأن إحباط محاولة تهريب ذخائر عسكرية إلى السودان، واعتبرها محاولة لتضليل المجتمع الدولي والتغطية على ما وصفه بالدعم الإماراتي الممنهج لقوات الدعم السريع التي تخوض حرباً ضد الدولة السودانية.
وقال العميد نبيل عبد الله، في تصريحات أدلى بها لصحيفة “سودان تربيون”، إن الإمارات تواصل اختلاق الأكاذيب كلما فشلت في تحقيق أهدافها غير المعلنة تجاه السودان. وأشار إلى أن الحديث عن محاولة تهريب الجيش السوداني أسلحة عبر الأراضي الإماراتية “ليس سوى فبركة جديدة”، تهدف وفقاً لقوله إلى صرف الأنظار عن الدور الكبير الذي لعبته أبوظبي في تغذية النزاع عبر تقديم الدعم العسكري واللوجستي لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو.
وأضاف عبد الله أن الإمارات، وفي كل مرة تواجه فيها انتقادات دولية بسبب تدخلاتها في الشأن السوداني، تلجأ إلى اختلاق روايات أمنية تتعلق بتهريب الأسلحة أو شبكات السمسرة، بهدف تقديم نفسها على أنها ضحية أو طرف محايد، في حين أنها متورطة بعمق في دعم طرف واحد في النزاع. واعتبر أن ما يحدث هو محاولة مكشوفة لتغيير وجهة الرأي العام الإقليمي والدولي في لحظة حساسة، تسبق إعلان محكمة العدل الدولية قرارها بشأن التدابير المؤقتة التي طالب بها السودان ضمن دعواه ضد دولة الإمارات، والتي تتهمها بالتواطؤ في تنفيذ جريمة إبادة جماعية ضد إثنية المساليت في إقليم دارفور.
وفي سياق متصل، نقلت “سودان تربيون” عن مصدر دبلوماسي مطّلع تأكيده أن اتهامات الإمارات للجيش السوداني ليست سوى محاولة استباقية لتبرئة ساحتها من تقارير استقصائية دولية نشرتها منصات إعلامية مرموقة ومراكز بحثية، كشفت عن تورطها في تزويد قوات الدعم السريع بالسلاح والذخيرة. وأشار المصدر إلى أن أبوظبي تسعى من خلال هذه التصريحات إلى تصوير نفسها كضحية لخروقات أمنية داخلية، عبر الزعم بأن مطاراتها تُستغل من قبل شبكات تهريب دون علم السلطات الرسمية، في حين أن التقارير تشير إلى علم ودعم رسمي مباشر.
وكان النائب العام الإماراتي، حمد سيف الشامسي، قد صرّح بأن سلطات بلاده أحبطت تهريب شحنة ضخمة من الذخائر، وضبطت أعضاء خلية وصفها بأنها متورطة في وساطة وسمسرة غير مشروعة في تجارة السلاح. وذكر أن الشحنة المضبوطة كانت على متن طائرة خاصة وصلت إلى أحد المطارات الإماراتية، وكانت تحمل نحو 5 ملايين طلقة من ذخيرة عيار “7.62×54” من نوع جيرانوف. وأوضح أن التحقيقات كشفت عن تورط عدد من الشخصيات السودانية في هذه القضية، من بينهم مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق، صلاح قوش، ومستشار سابق بوزارة المالية، وشخصيات سياسية مرتبطة مباشرة بقائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ومساعده الفريق ياسر العطا، إلى جانب رجال أعمال سودانيين.
وبحسب الشامسي، فإن عمليات البيع والشراء تمت بناءً على طلب من لجنة التسليح في الجيش السوداني، وبتنسيق مع العقيد عثمان الزبير، المسؤول عن العمليات المالية بالجيش، الذي يُزعم أنه لعب دوراً محورياً في تسيير المعاملات عبر نظام “الحوالة دار”، بعد أن تم تزوير عقود وفواتير تجارية لتغطية طبيعة الصفقة. وأشار إلى أن السياسي أحمد ربيع أحمد السيد كلّف بعملية الوساطة لإتمام الصفقات، وتم استخدام عدة واجهات تجارية لإخفاء الغرض الحقيقي من الشحنات.
وتابع النائب العام الإماراتي تصريحاته بالقول إن التحقيقات أكدت أيضاً ضلوع صلاح قوش في إدارة عمليات الاتجار غير المشروع بالسلاح داخل الأراضي الإماراتية، بالتعاون مع بقية أعضاء الخلية، موضحاً أنهم تمكنوا من تحقيق أرباح غير مشروعة بلغت 2.6 مليون دولار، من خلال التلاعب في أسعار صفقتين على الأقل، وتحصيل فارق السعر لحساباتهم الخاصة.
كما أكد أن الطائرة التي كانت تحمل الشحنة دخلت الأجواء الإماراتية قادمة من دولة أجنبية، وكانت وجهتها الأصلية غير معلنة، وهبطت للتزود بالوقود، وصرحت رسمياً بأنها تنقل أدوات طبية، إلا أن فرق التفتيش التابعة للنيابة العامة الإماراتية تمكنت من ضبط الشحنة العسكرية، بعد أن اشتبهت في بيانات الرحلة وحمولة الطائرة.
ورغم هذه الادعاءات، فإن معظم التقارير الاستقصائية تشير إلى عكس ذلك تماماً، حيث تؤكد أن الأسلحة التي تصل إلى قوات الدعم السريع في السودان تمر عبر مسارات منظمة من الأراضي الإماراتية، سواء عبر طائرات شحن مدنية أو طرق برية تمر عبر دولة تشاد، التي تتهمها الحكومة السودانية بالتواطؤ اللوجستي في عمليات نقل العتاد. وتعتقد السلطات السودانية أن الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع لا يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل يشمل أيضاً تمويلاً مالياً واسع النطاق، مكّن تلك القوات من الاستمرار في القتال رغم العقوبات والمقاطعات الدولية.
وكانت الحكومة السودانية قد رفعت دعوى رسمية إلى محكمة العدل الدولية في 29 مارس 2024، تتهم فيها دولة الإمارات بانتهاك القوانين الدولية، وتورطها في تزويد جماعة مسلحة متمردة بالسلاح والتمويل، مما أدى إلى ارتكاب مجازر وصفتها بأنها ترقى إلى مستوى جرائم الإبادة الجماعية. ولم ينظر مجلس الأمن الدولي حتى اللحظة في مضمون الشكوى، بينما يترقب السودان إعلان محكمة العدل الدولية قرارها المؤقت في الأيام القليلة القادمة.
وفي خضم هذا التصعيد، يرى مراقبون أن الحرب الإعلامية المتبادلة بين الخرطوم وأبوظبي تُعد جزءاً من معركة أكبر، تدور رحاها في الساحة الدبلوماسية والقضائية، إلى جانب الميدان العسكري. بينما تتزايد الدعوات الدولية لفتح تحقيق مستقل وشفاف بشأن دور الأطراف الخارجية في تأجيج النزاع السوداني، والذي تسبب حتى الآن في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في القارة الإفريقية.