
بولس يكشف توجه أميركي جديد بشأن السودان
متابعات _ الهدهد نيوز _ في تطور لافت على صعيد الموقف الأميركي من الأزمة السودانية، كشف مبعوث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للشرق الأوسط وكبير مستشاريه للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، عن وجود مساعٍ جدية داخل إدارة ترامب للدفع نحو حلول سلمية تنهي الحرب الدائرة في السودان. وفي مقابلة خاصة مع قناة الجزيرة، أكد بولس أن الملف السوداني حاضر بقوة على أجندة الإدارة الأميركية ويحظى بأولوية خاصة، مشيرًا إلى أن الفترة القريبة المقبلة ستشهد تحركات عملية في هذا الاتجاه.
وصف بولس الوضع في السودان بأنه “أكبر مأساة إنسانية في أفريقيا والعالم”، لافتًا إلى أن تداعيات الصراع تجاوزت حدود البلاد لتلقي بظلالها على المحيط الإقليمي برمّته، بفعل موجات النزوح الداخلية واللجوء إلى دول الجوار. وفي لهجة غير مألوفة من مسؤول في إدارة ترامب، أثنى بولس على الشعب السوداني واصفًا إياه بـ”الشعب الحبيب والكريم”، واعتبر أن ما يجري في السودان “مؤلم جدًا ومؤسف جدًا”، وهي عبارات تكشف عن تبدّل ملحوظ في طريقة تعاطي الإدارة الأميركية مع هذه القضية، مقارنة بأسلوبها المعروف في ملفات دولية أخرى.
هذا التحوّل في الخطاب الأميركي قد يعبّر عن رغبة في اعتماد مقاربة أكثر إنسانية وعقلانية تجاه الأزمة السودانية، بعيدًا عن لغة التهديد والضغط العسكري. غير أن المتابعين يحذرون من مغبة أن تفضي هذه المقاربة إلى تدخل خارجي يزيد من تعقيد المشهد، في حال تم تصوير الصراع على أنه صراع على السلطة بين “جنرالين”، أو تمت المساواة بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، وهي القراءة التي تغفل الحقائق على الأرض وتتجاهل الجرائم الموثقة التي ارتكبتها المليشيا بحق المدنيين في مختلف الولايات.
أبرز ما لفت الانتباه في تصريحات بولس كان تركيزه على البعد الإنساني للأزمة، مشيرًا إلى أن مليشيا الدعم السريع تتحمّل المسؤولية الكبرى عن الوضع المأساوي الذي يعيشه السودان حاليًا. إذ أشار إلى أن هذه المليشيا ارتكبت جرائم إبادة جماعية، وانتهجت سياسة ممنهجة في قتل المدنيين واغتصاب النساء وتجويع الأسرى وتعذيب المعتقلين، فضلًا عن قصفها العشوائي للأحياء السكنية والأسواق وتدميرها للمرافق الطبية ومراكز إيواء النازحين، إضافة إلى حصارها للمدن ومنعها دخول المساعدات الإنسانية.
وفي ظل هذه المعطيات، يرى محللون أن أمام واشنطن فرصة نادرة للعب دور محوري في وضع حد للأزمة، بشرط أن تنتهج مسارًا واقعيًا ينطلق من حقائق الميدان ولا يساوي بين الجاني والضحية. ويقترح هؤلاء أن تبدأ الخطوات الأميركية بسلسلة من الإجراءات المترابطة؛ أولها الضغط الفوري على القوى الإقليمية التي تدعم مليشيا الدعم السريع لوقف كافة أشكال الدعم العسكري والمالي واللوجستي. ويُعد هذا الخيار ممكنًا بالنظر إلى النفوذ الأميركي لدى بعض هذه الأطراف.
ثانيًا، ينبغي على إدارة ترامب الاعتراف بالسلطة الانتقالية القائمة حاليًا في السودان بوصفها حكومة شرعية مكلفة بإدارة شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية، إلى حين تحقيق الاستقرار وتنظيم انتخابات ديمقراطية. ثالثًا، على الولايات المتحدة دعم خارطة الطريق التي طرحتها الحكومة السودانية لما بعد الحرب، وهي خارطة نتجت عن مشاورات واسعة مع القوى الوطنية، وتهدف إلى فتح حوار وطني شامل، وتشكيل حكومة من الكفاءات المستقلة، وتعديل القوانين، واختيار رئيس وزراء مدني، والدعوة إلى إلقاء السلاح، ورفع الحصار عن الفاشر، وانسحاب المليشيا من المواقع المدنية.
وأخيرًا، من الضروري أن تشارك الولايات المتحدة في بلورة رؤية متكاملة لإعادة إعمار السودان وتعويض الضحايا، تشمل آليات واضحة لإيصال المساعدات الإنسانية، وإعادة النازحين، وتوفيق أوضاع اللاجئين في الخارج. فهذه الخطوات، وإن بدت معقدة، إلا أنها تشكل السبيل الأقصر والأكثر نجاعة لإنهاء الحرب، إذا كانت الإدارة الأميركية جادة فعلًا في إنقاذ السودان من أزمته.
ركابي حسن يعقوب
صحفي وكاتب سوداني