
الصحة النفسية للمراهقين في السودان.. قنبلة صامتة تهدد الأجيال القادمة
مقالات_ الهدهد نيوز _ إعداد: مهند عباس العالم _ وسط تعقيدات المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في السودان، تتفاقم أزمة الصحة النفسية لدى فئة المراهقين، الذين أصبحوا يدفعون ثمناً باهظاً لتراكم الضغوط الأسرية والتعليمية، إلى جانب ما تفرزه الأزمات المتلاحقة من شعور بعدم الاستقرار وانعدام الأمان.
يعيش آلاف المراهقين السودانيين اليوم في بيئة مشحونة بالتوتر، تتنازعها آثار الحرب والنزوح والفقر، وتكاد تخلو من الخدمات النفسية المؤسسية، مما جعل حالات الاكتئاب، القلق، اضطرابات الهوية، ومحاولات إيذاء النفس، ظواهر ملموسة في البيوت والمدارس، وإنْ ظلّ كثير منها في طيّ الكتمان بسبب الوصمة الاجتماعية.
ويؤكد أطباء نفسيون سودانيون أن المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً يمثلون شريحة هشة، تتأثر بسهولة بتقلبات المحيط، خاصة في ظل النزاعات المسلحة التي أجبرت الكثير من الأسر على التهجير القسري وفقدان المأوى والدخل، ما ضاعف من الضغوط النفسية على الأطفال والمراهقين، وأدى إلى انقطاع عدد كبير منهم عن الدراسة، وانخراط آخرين في سوق العمل القاسي في سن مبكرة.
وتضيف التقارير الطبية أن الأسباب الرئيسية لتدهور الصحة النفسية لدى المراهقين في السودان تشمل أيضاً غياب الاستقرار الأسري، التفكك العائلي، العنف المنزلي، الانفصال العاطفي بين الآباء والأبناء، وكذلك تأثير المحتوى الرقمي العنيف أو المضلل الذي يتعرض له المراهقون دون رقابة. هذا بالإضافة إلى الإدمان على الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت مرآة مشوهة للواقع وتغذّي الشعور بالنقص والعزلة.
وتبرز سلوكيات إيذاء النفس والانتحار كأكثر الأعراض التي تستوجب القلق، إذ وثقت منظمات محلية خلال السنوات الأخيرة زيادة في حالات الانتحار وسط المراهقين، لاسيما في معسكرات النزوح وبعض المدن التي شهدت نزاعات مسلحة مثل الجنينة ونيالا وأم درمان. وغالباً ما تكون هذه الحالات ناتجة عن صدمات نفسية غير معالجة، أو تعرض مستمر للتنمر والاحتقار سواء في المدارس أو عبر الإنترنت.
ورغم خطورة الوضع، إلا أن الدعم النفسي لا يزال غائباً عن أغلب المؤسسات التعليمية والخدمية في السودان. فلا توجد برامج مفعّلة للإرشاد النفسي داخل المدارس الحكومية، كما أن عدد الأخصائيين النفسيين المؤهلين لا يغطي سوى جزء ضئيل من الاحتياج الوطني. وبحسب إفادات لمتخصصين، فإن الأسرة السودانية كثيراً ما تُنكر وجود اضطراب نفسي لدى أحد أبنائها، أو تعتبر الأمر “ضعف إيمان”، بدلاً من التعاطي العلمي معه كحالة تحتاج لعلاج ورعاية.
من جهة أخرى، يتطلب الأمر جهداً من الدولة والمجتمع المدني لتفعيل حملات توعوية واسعة تستهدف الأسر، تُعرّفهم بكيفية اكتشاف الأعراض النفسية المبكرة لدى المراهقين، وطرق الدعم والتعامل الإيجابي معهم. كما يجب دمج خدمات الصحة النفسية ضمن الرعاية الصحية الأولية، وتدريب المعلمين على التعامل مع الطلاب ذوي الأعراض السلوكية أو النفسية.
فإن رعاية الصحة النفسية للمراهقين في السودان لم تعد خياراً، بل ضرورة وطنية ملحّة، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها البلاد. فهؤلاء هم بناة المستقبل، وأي إهمال في احتياجاتهم النفسية اليوم، قد يقود إلى أجيال منهكة داخلياً وغارقة في الألم والصمت.