
مقالات _ الهدهد نيوز _ تواجه النساء السودانيات هذا العام رمضان في ظل ظروف غير مسبوقة من التحديات التي تعصف بالبلاد، ولكن رغم هذه الظروف،
تظل المرأة السودانية محافظة على تقاليدها الدينية التي تعكس عمق التدين واليقين. في السودان، تعتبر النساء عنصرًا أساسيًا في الحفاظ على قيم الصيام، وهن اللواتي يُشَجِّعْن أطفالهن على الصيام وتحمل مشقات الجوع والعطش، خصوصًا في الأجواء الحارة التي يواجهها معظم سكان السودان.
منذ الأزل، كانت المرأة السودانية، سواء كانت أمًا أو أختًا، تمثل القوة الدافعة وراء تعليم الأطفال الصيام وجعلهم يستشعرون عبادة الله خلال هذا الشهر الفضيل. إذ تُعتبر الأسرة السودانية، وخصوصًا النساء فيها، هي المدرسة الأولى التي يتعلم منها الأطفال العادات الدينية، مثل الصيام، والقيام بالعبادات الأخرى. وفي المنازل السودانية، تجد النساء يكرسن أوقاتهن لتعليم الأطفال كيفية الصيام، ويشجعنهم على التحلي بالصبر في أيام الحر الشديد التي تزيد من حدة الصيام.
وتُعد كلمة “الصيام يقين يا ولدي” شعارًا مشهورًا في الأسر السودانية، وهو بمثابة نصيحة تٌقدم للأطفال الذين يخطون خطواتهم الأولى في طريق العبادة، حيث تعني أن الإيمان القوي والتسليم لله هو الذي يجعل الفرد قادرًا على التمسك بالصيام ورفض الإفطار. ورغم صعوبة العيش في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، إلا أن التمسك بهذه القيم يُعتبر جوهر رمضان في السودان.
عند الحديث عن “الرجولة” في المجتمع السوداني، يرتبط ذلك بشكل وثيق بالصيام. في السودان، يُنظر إلى الشخص الذي لا يصوم أو يُفطر في نهار رمضان على أنه “سيد جرسة”، وهو لقب يعبر عن الجبن والخوف، ويعد بذلك خارمًا للمعايير الاجتماعية. ولذلك، حتى في أصعب الظروف، يُصرّ البعض على الصيام، بل وقد يصومون الشهر بالكامل رغم التحديات الحياتية التي تواجههم. فقد يكون الشخص ضعيف الإيمان في جوانب معينة من العبادة كالصلاة، لكنه يرى في الصيام سمة حقيقية من “الرجولة” والقدرة على التحمل.
لكن هذا العام، مع استمرار الصراع في بعض المناطق مثل الخرطوم وكردفان ودارفور، يواجه السودانيون تحديات أكبر من مجرد الصيام. الحرب والدمار الذي خلفته الاشتباكات العسكرية في تلك المناطق، تسببت في نزوح الكثيرين، مما أدى إلى صعوبة الوصول إلى الطعام والشراب. ومع انقطاع سبل العيش، وخاصة في مراكز الإيواء، يعاني سكان هذه المناطق من قلة الغذاء، إضافة إلى انتشار الأمراض والأوبئة. وبالتالي، فإن الاحتياجات الإنسانية أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.
أحد أبرز مظاهر رمضان في السودان هو تقليد “كرتونة رمضان” التي تحتوي على الطعام الرمضاني التقليدي. لكن هذا العام، ومع الحروب والدمار، أصبح الحصول على هذه الكراتين أكثر صعوبة. المطابخ الخيرية، التي كانت تقدم الدعم الغذائي للفقراء والمحتاجين، توقفت بشكل شبه كامل في العديد من المناطق بسبب توقف التمويل، خاصة من الجهات المانحة. ورغم ذلك، يبقى اليقين والإيمان بالله هما القوة الدافعة التي تجعل الناس يتحملون شظف العيش ويستمرون في الصيام في هذا الشهر المبارك.
وفي الوقت الذي يعيش فيه السودانيون صعوبات جمة، تظل روح الكرم السوداني حية. ورغم توقف الكثير من أنشطة الإغاثة، إلا أن السودانيين يواصلون كرمهم بمشاركة ما لديهم مع الآخرين، خاصة في أوقات الإفطار، حيث يجتمع الجيران والأهل في الساحات لتبادل الطعام. هذه العادات الاجتماعية تجعل من رمضان في السودان أكثر من مجرد عبادة، بل هو فترة لتجديد الروابط الأسرية والاجتماعية، وتجسيد قيم التضامن والتكافل الاجتماعي.
وبينما تمر البلاد بأوقات عصيبة، سيظل “اليقين” هو المبدأ الذي يقود السودانيين في هذه الأوقات الصعبة. ومهما كانت الصعوبات التي تواجههم، فإنهم سيتجاوزون هذه المحنة بالتوكل على الله، ليعودوا يوما ما إلى حياة أكثر استقرارًا وأمانًا. وفي النهاية، ستظل ذكريات رمضان وأجوائه، سواء في الأحياء أو في القرى، محفورة في ذاكرة الجميع، مما يجعل الناس أكثر تماسكا وإيمانا بقدرة الله على تغيير الواقع في المستقبل.