
محيي الدين رأفت يكتب: لماذا وجود عمليات أمن الطيران بالسلطة؟
مقالات _ الهدهد نيوز _ هي محاولة للرد دون تحضير على هذا التساؤل الذي طُرح علينا عرضاً، علها تكون شافية وكافية، أو على الأقل تقود لإحداث حراك يمكن من خلاله أن يُدلي آخرون بدلوهم.
للوصول لما نود تناوله، لابد للمتابع من التعرف في عجالة على أمن الطيران كتنظيم. البداية كانت نقاشاً وحواراً في أواخر العام 1973 على مستوى عالٍ بالدولة، أصبح واقعاً في العام 1974، وشكل خطوة استباقية للتكوين والتطبيق الموحد الذي تم بمنظمة الطيران المدني الدولي (ICAO)، ونحسب أنه الأول على مستوى المنطقة والإقليم، إن لم يكن على مستوى الدول المتعاقدة قاطبة. حمل الكيان مسمى “أمن النقل الجوي والمطارات”.
تدرج أمن النقل الجوي وتطور من وحدة حتى أضحى دائرة عمليات أمن الطيران، وكان ومازال من أفضل وأقوى الكيانات في مجال الطيران المدني السوداني، بالرغم من معاناته خلال مسيرته القاصدة.
أثر الفصل على أمن الطيران
شهد العام 2013 تطبيق نظام الفصل بين السلطات بالهيئة العامة للطيران المدني بهدف تحقيق متطلب صادر من المنظمة كما ورد في مقرراتها، فتكون الجسم الرقابي وشكل سلطة الطيران المدني، وبالمقابل له الجسم التشغيلي وشكل الشركة القابضة لمطارات السودان.
صاحبت عملية الفصل ما صاحبها من نجاحات وإخفاقات، والأيام وحدها بل السنون التي مضت وضحت بجلاء ما إذا كان ذلك الإجراء أو طريقة التطبيق والتنفيذ صحيحة أو غير ذلك، علماً بأنها لم تخضع للدراسة والمراجعة والتقييم بصورة رسمية حتى الآن.
في إطار الفصل، مُزِّق أمن الطيران إلى أربعة أجزاء؛ انضم الأول للشق الرقابي، وأصبح الثاني معلقاً خارج التنظيم برمته… أما الجزآن المتبقيان فقد أُبقيا داخل الشق التشغيلي دون وجود أي رابط يوحد بينهما بالرغم من تطابق مهامهما ومسؤولياتهما، الأمر الذي أخل بمجمل الأداء مع انعدام التنسيق.
ظل أمن الطيران في الجسم التشغيلي كيانين منفصلين من التقسيم حتى توحدا تحت مسمى دائرة عمليات أمن الطيران، بالتحويل بالموافقة والاتفاق بين الطرفين: سلطة الطيران المدني والشركة القابضة لمطارات السودان، والذي تم تنفيذه في الأول من أغسطس 2021م، وذلك في ظل ترتيبات وتفاهمات جرت بينهما.
أمن الطيران أمن حكومي
تاريخياً، عند إنشاء أمن النقل الجوي والمطارات بالسودان في فبراير من العام 1974م كان يتبع مباشرة للمدير العام لمصلحة الطيران المدني، ثم للمدير العام للهيئة العامة للطيران المدني بعد التحويل في العام 1986، وظل هكذا حتى تاريخ الفصل بين السلطات، ثم (مجازياً) ضاع دمه هدراً بين القبائل.
نصت مراجع الإيكاو في الملحق 17 بعنوان “الأمن” في طبعاته الأولى حتى بداية التسعينات أن تنشئ كل دولة متعاقدة من صلب التنظيم الحكومي كياناً يكون مسؤولاً عن أمن الطيران فيها، وفي ذلك دلالة على أهميته وجعله نظاماً حكومياً يتمتع بسلطات وصلاحيات تمكنه من القيام بدوره المنوط به على الوجه الأكمل.
لذا نشأ أمن الطيران في السودان ومازال نظاماً حكومياً فاعلاً، لا سيما بعد ضمه للسلطة متقاضين بذلك عن فترة الفصل والتبعية لشركة المطارات.
يستند أمن الطيران في أداء مهامه الوظيفية وممارسة سلطاته وصلاحياته على قانون سلامة الطيران المدني لسنة 2010، والبرنامج الوطني لأمن الطيران المدني، ومن قبلهما على قانون الطيران المدني السوداني لسنة 1999م، ويتهيأ لوضع وإجازة قانونه الخاص.
نجد أن البرنامج الوطني لأمن الطيران المدني السوداني قد نص صراحة على أن أمن الطيران يشكل جزءاً أصيلاً من الأمن القومي للدولة، وذلك وفقاً لموجهات الإيكاو استجابة لقرار مجلس الأمن الدولي بالرقم 2023 الصادر في العام 2016 الخاص بالطيران المدني وحث الدول المتعاقدة على تضمين ذلك في تشريعاتها الوطنية.
المسؤولية والمساءلة
في علم الإدارة كثيراً ما يبرز للعيان مصطلحان اثنان: المسؤولية (Responsibility) والمساءلة (Accountability).
هذان المصطلحان يرتبطان مباشرة بمن يتولى قمة الهرم وأعلى منصب في أي مؤسسة في الدولة.
بإسقاطهما على مدير عام سلطة الطيران المدني نجده وفقاً للنظم واللوائح مسؤولاً عن أمن الطيران بالدولة إدارة وتنظيماً وتشريعاً وتطبيقاً وتنفيذاً. حتى وإن فوض بعض هذه السلطات، فإن مسؤوليته تبقى قائمة ولا تقتصر هذه المسؤولية في الشق الرقابي فقط، إنما تمتد لتشمل الشق التشغيلي من واقع مسؤوليته عن التطبيق والتنفيذ.
وفي ذات الوقت هو مساءل أمام منظمة الطيران المدني الدولي (الإيكاو) بالالتزام والتقيد بالقواعد القياسية الواردة في وثائقها والتطبيق السليم لمقرراتها بما يضمن تحقيق أمن الطيران الدولي الذي يسهم في التشجيع على السفر والتنقل جواً.
كما أنه مساءل أمام الحكومة بصحة وسلامة وكفاءة التطبيق والتنفيذ لتسهم صناعة الطيران في الدولة في الربط بين الولايات وفي تنمية الاقتصاد المحلي والتجارة، ومن ناحية أخرى يقلل إلى حد كبير إن لم يمنع وقوع و حدوث التهديدات التي تؤثر على أمن الدولة وسمعتها.
أنشئت شركة مطارات السودان بقانون الشركات لسنة 1925 تعديل سنة 2015، وتستمد صلاحياتها من نصوصه، ولا يوجد ضمن هذه النصوص مواد تمكن أمن الطيران من أداء مهامه وممارسة سلطاته.
عمليات أمن الطيران بالسلطة
عمليات أمن الطيران بالسلطة للأسباب التالية:
- جزء هام من الأمن القومي للدولة “سيادة”.
- الأمن مصروفات مالية من أجل تحقيق الكفاءة المطلوبة (هدف أول) (خلاف توجهات الشركة).
- يقوم بتنفيذ إجراءات تشتمل على الحجز، المنع، التصدي، الاستجابة، الاستجواب، التحري الأولي، التفتيش، ومباشرة فتح البلاغات (أمر لا يتحقق في إطار شركة).
- له سلطة إعداد وإصدار النظم ذات الصلة بالمطار: برنامج الأمن، برنامج التدريب المحلي، خطط الطوارئ الأمنية، برنامج مراقبة الجودة الداخلية، التعليمات التشغيلية المستديمة.
- له حق المراجعة والمواءمة والتوصية لدى سلطة أمن الطيران الرقابية بقبول أو رفض أو تعديل برامج أمن المستثمرين الجويين وغيرهم من الكيانات الأخرى العاملة بالمطار.
- دون المساس بمسؤوليات الشق الرقابي يتمتع بسلطة تنفيذ مراقبة الجودة الداخلية على كافة الأنشطة بالمطار ذات الصلة بأمن الطيران والمستثمرين الجويين وغيرهم من الكيانات الأخرى.
- عمليات أمن الطيران وإن كانت تقدم خدمات الأمن وتنفذ ضوابط وإجراءات الأمن الوقائية الميدانية، إلا أنها تشكل سلطة القانون الضابطة والمتحكمة والمحققة للمتطلبات، وهو أمر لا يتأتى في ظل التبعية لشركة المطارات.
- أمن الطيران واستناداً على نص قاعدة قياسية من الفصل الثالث (التنظيم) بالملحق 17 بعنوان “الأمن”، سلطة بالمطار.
- قانون الشركات لا يمنح أمن الطيران أي سلطات أو صلاحيات تمكنه من القيام بواجباته وتنفيذ مهامه.
- قانون الشركات لا يمنح عناصر أمن الطيران الحماية والحصانة.
- قانون الشركات لا يشكل أي دعم أو سند لأمن الطيران.
- أمن الطيران أولاً وآخراً مسؤولية مدير عام سلطة الطيران المدني.
تخاريف
نتاجاً لقرار مجلس الأمن رقم 2023، حولت العديد من الدول نظام أمن الطيران من شركات لأمن حكومي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
القرار الذي أصدره السيد وزير الدفاع في 21/6/2021، القاضي بتحويل أمن الطيران للسلطة بناءً على طلب مدير عام سلطة الطيران المدني السيد إبراهيم عدلان، والذي تابعه بعزم وإصرار ودافع عنه حتى كُلِّل بالنجاح، في اعتقادي كان قراراً قوياً مستمداً من واقع حال معاش وتقييم علمي ورؤية مستقبلية قائمة على نظرة استراتيجية بعيدة المدى.
أخيراً، أمن الطيران “عمليات” كان ومازال وسيظل رقماً لا يمكن تجاوزه وعلامة فارقة لتنشيط واستعادة الحركة الجوية بالمطارات السودانية، وهو مصدر فخر للقطاع والدولة بنجاحاته المتكررة في الأعوام 2005، 2012 و2023… ويكفي أنه لو لاه لما كانت الحركة الجوية بهذا القدر في ظل الظروف الآنية.
الله غالب،،،
خبير وطني
معلم ومستشار أمن طيران
محيي الدين حسن علي رأفت
الثلاثاء 19 أغسطس 2025