
جريدة سعودية : السودانيون ضحايا أم مضحون
مقالات _ الهدهد نيوز _ جريدة سعوية في ظل استمرار الحرب المدمرة في السودان، تلاشت مظاهر الفرح بعيد الأضحى لدى الملايين من المواطنين، الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على توفير الأضاحي، أو حتى تأمين احتياجات أسرهم الأساسية. وقد عبّر كثير من السودانيين هذا العام عن شعورهم بأنهم تحولوا من “مضحين” إلى “ضحايا”، في مشهد يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تسببت بها الحرب المستمرة منذ أكثر من عام.
في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، المحاصرة منذ قرابة عام من قبل قوات الدعم السريع، كشف ناشطون عن تدهور غير مسبوق في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بالتزامن مع حلول عيد الأضحى. وأوضح الناشط محيي الدين شوقار، أحد منسقي “المطابخ الجماعية” التي تُعرف محليًا بـ”التكايا”، أن أسعار الخراف ارتفعت بشكل غير معقول، ما حرم آلاف الأسر من أداء شعيرة الأضحية.
ورغم أن شوقار لم يذكر أرقاماً دقيقة، إلا أن متابعين على مواقع التواصل أكدوا أن الأسعار تراوحت بين 400 ألف إلى مليون جنيه سوداني، وهو مبلغ يفوق قدرة معظم الأسر التي تعيش تحت خط الفقر، وتعتمد على المعونات الغذائية أو ما تقدمه التكايا من وجبات يومية خلال فترة الحرب.
وفي مناطق أخرى من السودان، لم يكن الحال أفضل. ففي مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، تقول فاطمة، وهي أم لخمسة أطفال، إن شراء خروف العيد أصبح حلماً بعيد المنال. وتضيف: “إذا تمكنا من تدبير بعض المال، فسنشتري القليل من اللحم لإسعاد الأطفال… لم نعد نفكر في الأضحية”. هذا المشهد يتكرر في مراكز الإيواء ومخيمات النزوح، حيث تعيش ملايين الأسر في ظروف قاسية بلا مأوى دائم أو مصدر دخل.
دخل أقل من سعر خروف
وفقًا للبنك الدولي، يبلغ متوسط دخل الفرد السنوي في السودان حوالي 1145 دولارًا، وهو ما يعادل تقريبًا ثمن ثلاثة خراف في السوق السودانية، التي تأثرت بتقلبات سعر الصرف والغلاء. إلا أن هذا الرقم تراجع بشدة منذ اندلاع الحرب، حيث تشير التقديرات الحديثة إلى أن دخل الفرد انخفض إلى أقل من 500 دولار سنويًا، بفعل توقف الرواتب، وانهيار النشاط الاقتصادي، وتسريح العاملين من مؤسسات الدولة.
كما أن الحكومة السودانية لم تتمكن من صرف أكثر من 60% من رواتب العاملين في المناطق التي ما تزال تحت سيطرتها، بينما انعدمت كليًا في المناطق الخارجة عن سلطة الدولة، مما زاد من تفاقم الأزمة المعيشية.
في المدن الأخرى مثل عطبرة في شمال السودان، بلغت أسعار الخراف ما بين 600 و750 ألف جنيه سوداني (ما يعادل نحو 300 دولار)، بينما تراوحت في مدينة تمبول بين 450 و650 ألفاً. ومع هذا الارتفاع غير المسبوق، تراجعت معدلات الشراء بشكل كبير، خاصة في ولايتي كردفان ودارفور، حيث قال أحد المواطنين: “صرنا ضحايا بلا أضحية”.
حرب، جفاف، وانقطاع الإمداد
يُرجع تجار الماشية ارتفاع الأسعار إلى عدة أسباب أبرزها تأثير الحرب على مسارات الإمداد، وجفاف المراعي في ولاية الجزيرة، وارتفاع تكاليف الترحيل، بالإضافة إلى الرسوم التي تفرضها سلطات الأمر الواقع في مناطق النزاع. كما أسهم انقطاع الإمدادات الحيوانية من ولايتي كردفان ودارفور، اللتين تعدان من أكبر مناطق إنتاج المواشي في السودان، في زيادة حدة الأزمة.
وقبل اندلاع الحرب في أبريل 2023، كانت أسعار خراف الأضحية تتراوح بين 40 إلى 150 ألف جنيه، وهي أسعار كانت مرتفعة مقارنة بمستوى الدخل حينها، لكنها تبدو ضئيلة مقارنة بالوضع الراهن.
عيد تحت التهديد الأمني
ولم يقتصر الأمر على الأزمة الاقتصادية وحدها، بل إن الهواجس الأمنية أيضاً طغت على أجواء العيد، ودفعت السلطات في المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني، لا سيما في الخرطوم، إلى إصدار تعليمات مشددة للمواطنين بأداء صلاة العيد داخل المساجد فقط، وعدم التجمع في الساحات أو الميادين العامة كما جرت العادة. وجاءت هذه التوجيهات في ظل تحذيرات من استهدافات أمنية محتملة أو أعمال عنف قد تصاحب التجمعات الكبيرة.
ومع استمرار الحرب للعام الثاني على التوالي، يبدو أن عيد الأضحى في السودان هذا العام سيكون من أكثر المواسم حُزناً في ذاكرة السودانيين، الذين باتوا يتطلعون إلى مجرد يوم آمن ووجبة بسيطة، بدلاً من بهجة العيد وطقوسه الاجتماعية والدينية التي اعتادوا عليها لعقود.