
ضابط إنجليزي في الخرطوم
منوعات _ الهدهد نيوز _ تعيد رواية «ضابط إنجليزي في الخرطوم – Fire and Sword in the Sudan» للكاتب البريطاني فالنتين بيكر تسليط الضوء على واحدة من أكثر الفترات اشتعالًا في تاريخ السودان الحديث، وهي فترة الثورة المهدية وسقوط الخرطوم في نهايات القرن التاسع عشر. ومع إعادة إصدار النسخة الرقمية الكاملة عبر منصة Internet Archive، يجد القارئ العربي نفسه أمام عمل أدبي وتوثيقي يجمع بين الوقائع العسكرية والسرد الروائي المشوّق، مقدمًا رؤية كولونيالية لمسرح الأحداث على ضفاف النيل، حيث تتقاطع طموحات الإمبراطورية البريطانية مع ثورة شعبية وطنية ضد الاستعمار الأجنبي.
الرواية كُتبت بعيون ضابط بريطاني عاش تفاصيل الصراع عن قرب، فوثّق يوميات الحملات الاستعمارية، وحصار مدينة الخرطوم، ومقتل الجنرال الشهير تشارلز غوردون. وعلى الرغم من أن النص يُقدَّم بمنظور إمبراطوري يُروّج لفكرة “رسالة التحضير” الغربية، إلا أن التفاصيل التي يتناولها تكشف – ولو دون قصد – عن شراسة المقاومة السودانية، وعن التحديات التي واجهها الاحتلال البريطاني في محاولته إخضاع السودان لسيطرته.
ينقل الكاتب للقارئ صورة ميدانية دقيقة عن طبيعة المعارك، وحياة الجنود، والتعقيدات السياسية والاجتماعية التي سادت تلك الفترة، كما يعكس التوتر الدائم بين المستعمرين البريطانيين والسكان المحليين. يظهر الإمام محمد أحمد المهدي كقائد كاريزمي، قادر على استنهاض شعبه بروح دينية ووطنية، في مقابل جنرالات الجيش البريطاني الذين يتحدثون بلغة العجرفة والغطرسة.
تشكل الرواية في مجملها مصدرًا غنيًا للباحثين في التاريخ الكولونيالي، وأداة لفهم الرواية البريطانية عن الحقبة المهدية. كما تفتح الباب لنقاش عميق حول دور الأدب في تبرير الاستعمار، ورسم صورة نمطية للشعوب التي خضعت لنفوذ القوى العظمى. ومع ذلك، لا يمكن إغفال البُعد الأدبي الذي يجعل من هذا النص شهادة حية على صراع امتد لسنوات، وترك أثرًا بالغًا في تشكيل الهوية الوطنية السودانية.
بإعادة نشر هذا العمل، يُتاح للقارئ العربي الفرصة لتفكيك الخطاب الكولونيالي والتعرف على وجهات النظر التي صاغت الوعي الغربي تجاه السودان وشعوبه، لا سيما خلال حقبة الدولة المهدية التي مثلت واحدة من أبرز حركات التحرر في القارة الإفريقية. وتبقى الرواية، رغم تحيّزها، مرآة لزمن شديد الحساسية، حيث تتداخل السياسة والدين والتاريخ في آنٍ واحد، على خلفية مشهد دموي مليء بالصراع والبطولة والفقد.