
إليكم هذا النبأ البالغ الأهمية
مقالات _ الهدهد نيوز _ رشان أوشي في الثامن عشر من مايو 2025، أصدرت محكمة جنايات كسلا حكماً في واحدة من أبرز وأخطر قضايا المخدرات التي شهدتها البلاد مؤخراً. تم الحكم بالسجن لمدة أربعة أشهر فقط ضد سبعة متهمين ضُبطوا بحوزتهم كميات كبيرة من الحبوب المخدرة ومادة الشاشمندي، وهي من المواد المحظورة واسعة الانتشار في بعض المناطق السودانية.
القضية بدأت عندما نفّذت قوة مشتركة من إدارة مكافحة المخدرات ومكافحة الإرهاب عملية دقيقة أسفرت عن توقيف المتهمين: (عبده، نصرالدين، ناصر، فيصل، إدريس، معاوية، مأمون)، حيث تم ضبط (139,000) حبة مخدرة، بالإضافة إلى (10) جوالات من الشاشمندي، كانت مخبأة في (9) كراتين وُضعت بإحكام تمهيداً لترويجها أو تهريبها.
إلا أن المفاجأة التي شكلت صدمة للرأي العام، تمثّلت في الحكم المخفف الذي أصدرته المحكمة، والقاضي بالسجن لأربعة أشهر فقط مع الغرامة، إلى جانب إصدار أمر بإبادة المعروضات دون توضيح كافٍ لحيثيات القرار.
عدالة منقوصة.. أم مؤسسات مثقلة بالعجز؟
في بلد يرزح تحت وطأة الحرب والانفلات الأمني، كانت التوقعات تشير إلى أن القضاء سيُصدر حكماً رادعاً، يُشكّل رسالة قوية في وجه الجرائم المتعلقة بالمخدرات التي باتت تهدد كل بيت وأسرة. غير أن الحكم، الذي وصفه قانونيون ومراقبون بـ”المُتساهل”، أعاد إلى الواجهة تساؤلات قديمة متجددة حول جدية مؤسسات الدولة في محاربة الجريمة المنظمة.
ليس من المبالغة القول إن الحُكم مثّل صدمة لدى فئات واسعة من المواطنين، خاصة في ظل السياق العام الذي تمر به البلاد: حرب، ميليشيات، تفكك مؤسسي، ضعف رقابي، وبيئة خصبة لتغوّل عصابات المخدرات.
السودان في عين العاصفة.. ما بين الدولة والساحة
من غير الممكن قراءة هذا الحكم بمعزل عن المشهد السوداني الكلي؛ فالسودان اليوم لا يعيش مجرد أزمة سياسية أو اقتصادية، بل مرحلة انهيار شاملة تمس كافة أركان الدولة والمجتمع. إنه أشبه ما يكون بـ”الساحة المفتوحة” لكل أنواع الفوضى، أكثر منه دولة ذات سيادة ومؤسسات.
يبدو المشهد مشابهاً في بعض جوانبه لملامح ما قبل الثورة الفرنسية عام 1789، عندما بلغ الانهيار ذروته نتيجة لتراكمات من الظلم، الفساد، وانعدام العدالة. في السودان اليوم، الضمير يُشترى ويُباع، والمؤسسات تعمل بمنطق الحاجة والشللية، لا بمعايير الدولة الحديثة.
هل يقبل الشعب السوداني استمرار هذا الوضع؟
الإجابة الطبيعية والمنطقية: لا.
الشعب السوداني يتمتع بدرجة عالية من الوعي السياسي والاجتماعي، ولديه من الإرث النضالي ما يكفي لتجديد قدرته على المواجهة وتغيير الواقع، مهما كانت التحديات. غير أن كسر حاجز الخوف وإعادة بناء الدولة يتطلبان أكثر من الرفض، إنما يتطلبان تنظيماً شعبياً، ورؤية واضحة، ونخبة وطنية صادقة لا تخشى قول الحق.
خلاصة القول
قضية “كسلا” ليست مجرد ملف جنائي عابر. إنها مرآة لواقع أكبر وأكثر خطورة. فحينما يُحاكم من يتاجر بالموت بين شباب الوطن بأربعة أشهر فقط، فإن الأمر لا يعود مجرد خلل قانوني، بل مؤشر على انهيار في منظومة العدالة والمساءلة.
يبقى الأمل في وعي هذا الشعب، وفي القلة التي ما تزال تؤمن أن الوطن أكبر من الجميع، وأن العدالة ليست شعارات تُردد، بل مواقف تُتخذ، ومؤسسات تُبنى، وثمن يُدفع.
محبتي واحترامي،
رشان أوشي