
بورتسودان من أمان إلى ساحة معركة
متابعات _ الهدهد نيوز _في 8 مايو 2025، نشرت مجلة “الإيكونوميست” تقريرًا بعنوان “The fight for Sudan’s skies”، تناولت فيه التصعيد العسكري في مدينة بورتسودان على البحر الأحمر، والتي كانت تُعتبر ملاذًا آمنًا خلال الحرب الأهلية السودانية المستمرة منذ عام 2023.
تستمر الحرب الأهلية في السودان، التي دخلت عامها الثاني، في التأثير بشكل حاد على الوضع الأمني والإنساني في البلاد. وبينما كانت بورتسودان، الواقعة على البحر الأحمر، تُعدّ ملاذًا نسبيًا في وسط هذه الحرب المدمرة، أصبحت الآن هدفًا جديدًا في معركة دموية تدور على الأرض وفي السماء. مع تصاعد الهجمات بالطائرات المسيّرة التي استهدفت المدينة الساحلية، باتت بورتسودان تشهد موجة من القصف المكثف الذي يعكس تحوّلًا كبيرًا في الصراع في البلاد.
على مدار العام الماضي، كانت بورتسودان، وهي إحدى أهم المدن السودانية الواقعة على البحر الأحمر، تُعتبر مركزًا استراتيجيًا
وقاعدة للعديد من المنظمات الإنسانية الدولية. بعد اندلاع الحرب الأهلية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في عام 2023، اضطرت العديد من الهيئات الدولية والجهات الحكومية إلى الانتقال إلى بورتسودان بسبب تدمير العديد من المدن السودانية الأخرى. كما تم استخدام المدينة كمركز للإغاثة الإنسانية لملايين المدنيين المتضررين من الصراع الدائر.
إلا أن الوضع الأمني في المدينة، الذي كان في البداية يشهد نوعًا من الاستقرار النسبي مقارنةً ببقية مناطق البلاد، بدأ في التدهور مع تصاعد الهجمات بالطائرات المسيّرة التي تستهدف منشآت حيوية، في محاولة واضحة من قوات الدعم السريع لتعزيز نفوذها في هذه المدينة الساحلية الهامة.
في الأسابيع الأخيرة من شهر أبريل 2025، أصبحت الطائرات المسيّرة جزءًا أساسيًا من تكتيكات الحرب التي يتبعها كلا طرفي النزاع في السودان. ووفقًا للتقارير، فقد استهدفت قوات الدعم السريع العديد من المنشآت المدنية والعسكرية في بورتسودان باستخدام الطائرات المسيّرة التي تحمل أسلحة دقيقة. هذه الطائرات التي يتم التحكم بها عن بعد تمكنت من اختراق أنظمة الدفاع الجوية للجيش السوداني، ما أثار قلقًا دوليًا بشأن فعالية الدفاعات الجوية السودانية في التصدي لهذه الهجمات المتزايدة.
وفي يوم 3 مايو 2025، استهدفت الطائرات المسيّرة مطار بورتسودان الدولي، مما أدى إلى تعليق جميع الرحلات الجوية من وإلى المدينة. الهجوم أدى إلى دمار كبير في أجزاء من المطار، وكان له تأثير مباشر على العمليات الإنسانية التي تعتمد بشكل أساسي على المطار لاستقبال المساعدات الغذائية والطبية الدولية. كما استهدفت قوات الدعم السريع مستودعات الوقود في المدينة في محاولة لتعطيل حركة النقل وإمدادات الطاقة، مما أدى إلى انفجارات ضخمة وحالة من الفوضى في محيط المنطقة المستهدفة.
على الرغم من الهجمات المستمرة، سعت القوات المسلحة السودانية إلى تعزيز دفاعاتها الجوية في محاولة للتصدي للطائرات المسيّرة المعادية. ووفقًا للتقارير الرسمية، تم نشر أنظمة الدفاع الجوي المتطورة في بورتسودان، لكنها فشلت في التصدي للهجمات بشكل كامل، مما يعكس مدى التطور التكنولوجي الذي تتمتع به قوات الدعم السريع في استخدام الطائرات المسيّرة.
من جانبها، أدانت العديد من الدول والمنظمات الإنسانية الهجمات على المنشآت المدنية في بورتسودان، مشيرة إلى أن هذا النوع من الهجمات يمثل انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني. كما أعربت الأمم المتحدة عن قلقها البالغ بشأن الوضع الأمني في المدينة، حيث تتزايد المخاوف من أن تؤدي هذه الهجمات إلى تفاقم الوضع الإنساني في السودان.
ومن جانبها، قالت السلطات السودانية إن بورتسودان تعتبر منطقة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها، سواء من الناحية العسكرية أو الإنسانية. وأضافت أن محاولات قوات الدعم السريع للسيطرة على المدينة ستكون لها تداعيات خطيرة على الاستقرار في السودان بشكل عام.
تعتبر بورتسودان حاليًا واحدة من المناطق القليلة التي توفر الإغاثة للمناطق الأخرى الأكثر تضررًا من الحرب في السودان. فمع وجود الميناء الدولي والمطار الجوي، كانت المدينة تستقبل مساعدات إنسانية من المنظمات الدولية، بما في ذلك الغذاء والدواء. ومع تدمير هذه المنشآت الحيوية، يعاني مئات الآلاف من السكان في بورتسودان والمناطق المحيطة بها من نقص حاد في المواد الغذائية والوقود، ما يزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية في المدينة.
وتشير التقارير إلى أن العديد من المدنيين الذين كانوا يعتمدون على الإغاثة الإنسانية بدأوا يواجهون صعوبة في الحصول على الغذاء والماء والرعاية الصحية الأساسية. بينما تؤكد الوكالات الإنسانية أنها تسعى جاهدًا لاستئناف العمليات الإغاثية، إلا أن الهجمات المتواصلة تجعل من المستحيل تحقيق ذلك بشكل فعّال.
التطورات الأخيرة في بورتسودان تشير إلى تصعيد ملحوظ في الصراع، وقد يكون لهذا التصعيد تأثير طويل المدى على الوضع الأمني والإنساني في السودان. فمع استمرار هجمات الطائرات المسيّرة وتزايد الهجمات على المنشآت الحيوية، يبدو أن الحرب في السودان قد دخلت مرحلة جديدة أكثر عنفًا وتعقيدًا.
ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا في أن يكون هناك حل سياسي يمكن أن يوقف هذا التصعيد. إن تدخل المجتمع الدولي في الضغط على الأطراف المتنازعة للوصول إلى اتفاقات سلام قد يكون أحد الحلول التي يمكن أن تساعد في إنهاء هذه الحرب المستمرة وتخفيف معاناة المدنيين في السودان.
من غير الواضح في الوقت الحالي ما إذا كانت بورتسودان ستظل قادرة على الصمود في وجه الهجمات المستمرة. ولكن ما هو مؤكد أن الوضع في المدينة سيتأثر بشكل كبير بحالة الحرب في البلاد. في ظل استمرار القتال في كل من دارفور وكردفان والعاصمة الخرطوم، يبدو أن صراع السماء في بورتسودان سيكون مجرد جزء من معركة أكبر وأكثر تعقيدًا.
إن تطور الوضع في بورتسودان يثير القلق ليس فقط بسبب التأثيرات المباشرة على السكان المدنيين ولكن أيضًا على الاستقرار الإقليمي في المنطقة. فالسودان يعتبر دولة محورية في شرق أفريقيا، ومع استمرار الحرب، يتزايد التأثير السلبي على الدول المجاورة مثل مصر وتشاد وإريتريا، وكذلك على المجتمع الدولي بشكل عام.
في الختام، يتعين على جميع الأطراف المعنية في الصراع السوداني أن تبذل جهودًا حقيقية من أجل حماية المدنيين وتحقيق الاستقرار في البلاد. إن استمرار الهجمات بالطائرات المسيّرة على المدن السودانية، بما في ذلك بورتسودان، لن يؤدي إلا إلى زيادة معاناة المدنيين ويزيد من تعقيد الأوضاع الإنسانية في السودان.