
الفساد والإهمال.. وباء أخطر من الحرب
مقالات _ الهدهد نيوز _ بقلم: د. عباس حامد العالم الحمد لله الذي أخرجنا من محنة الحرب وما خلّفته من خراب ودمار بولاية الخرطوم، فبعد هذه الابتلاءات العظيمة أصبح من الواجب على كل فرد أن يؤدي عمله على خير وجه، مراقبًا الله تعالى في مسؤولياته، متعظًا بما جرى، حتى لا تتكرر الأخطاء.
تعيش ولاية الخرطوم هذه الأيام فصل الخريف، وهو فصل ترتبط به عادةً تحديات صحية كبيرة، حيث تكثر فيه نواقل الأمراض كالذباب والبعوض، إلى جانب تراكم الأوساخ والمخلفات في المجاري. وزاد الوضع سوءًا هذا العام بسبب الدمار الذي لحق بالمنازل والمؤسسات والأحياء جراء الحرب، مما يجعل البيئة أكثر عرضة لانتشار الأوبئة والأمراض.
ورغم وضوح هذه المخاطر، فوجئنا – في منتصف شهر أغسطس، وهو ذروة موسم الخريف – بعمال الشؤون الهندسية أو البلدية يقومون بأعمال تنظيف للمجاري بعد فوات الأوان، وبطرق بدائية لا تحقق الهدف. فبدلًا من فتح المجاري المسدودة التي تمنع انسياب المياه، اكتفوا بتعميق أجزاء لا تحتاج إلى تعميق، مستخدمين أدوات تقليدية مثل الكواريك و”أبو راسين”، وبعمق لا يتجاوز بضعة سنتيمترات. والأسوأ أنهم تركوا الأتربة والأوساخ على حافة المجاري، مما يجعل الأمطار تعيدها إلى داخلها مرة أخرى.
إن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه”، وفي حديث آخر: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”. فأين الإتقان في هذا العمل؟ وأين الرقابة من المهندسين المسؤولين؟ فلا يعقل أن يُترك العمال يعملون وحدهم بلا إشراف، بينما المطلوب وجود مهندس أو مسؤول مباشر يوجههم ويصحح الأخطاء.
لقد سألت بعض العمال عن المشرف أو المهندس المسؤول، فوجدت أن من يقودهم مجرد عامل مثلهم، لا يملك خبرة ولا سلطة للتصحيح، بل قال لي إن ما يقومون به هو “توجيه من الشؤون الهندسية”، وهو ما يعكس خللًا إداريًا خطيرًا.
إن ما جرى ويجري في بلادنا من حروب وابتلاءات كان يفترض أن يكون درسًا لنا جميعًا، لنراقب الله في أعمالنا ووظائفنا وتجارتنا ومسؤولياتنا. لكن للأسف ما زالت ثقافة الاستهتار والتقصير قائمة، وكأننا لم نتعظ بما مررنا به. يقول الله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11].
فالواجب على المسؤولين أن يتقوا الله في عملهم، وأن يحرصوا على توجيه الموارد وجهة صحيحة، لأن الإهمال لا يهدر المال العام فقط، بل يعرّض حياة المواطنين للخطر.
اللهم بلغت، اللهم فاشهد.