لن تصدق ما تفعله هواتفنا بنا كل يوم… الحقيقة الصادمة التي يُخفيها الجميع!
منوعات _ الهدهد نيوز

لن تصدق ما تفعله هواتفنا بنا كل يوم… الحقيقة الصادمة التي يُخفيها الجميع!
منوعات _ الهدهد نيوز _ في عالمٍ باتت فيه الهواتف الذكية لا تفارق الأيدي، أصبحت الكثير من السلوكيات اليومية مرتبطة بشكل وثيق بهذا الجهاز الصغير، حتى صار من الصعب تخيل الحياة بدونه. من الاستيقاظ في الصباح وحتى اللحظات الأخيرة قبل النوم، تتحكم الشاشات في الوقت والانتباه، وتعيد تشكيل طريقة تفاعل الناس مع أنفسهم والآخرين. ولكن خلف هذه الراحة والاتصال الدائم تكمن ظاهرة مقلقة تتنامى بسرعة وتؤثر بعمق على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية، تُعرف بظاهرة “الانفصال الرقمي الوهمي”، وهي حالة من العزلة النفسية يشعر بها الشخص رغم كونه متصلاً طوال الوقت.
يشير الخبراء إلى أن هذه الظاهرة، التي بدأت تظهر بشكل واضح خلال السنوات الخمس الأخيرة، تُعد إحدى نتائج الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يشعر الفرد بأنه حاضر دائمًا في حياة الآخرين، لكنه يفتقر إلى التفاعل الحقيقي. ويؤكد العديد من الباحثين أن هذا النمط من الحياة الرقمية أدى إلى ما يُعرف بـ”الاحتراق العاطفي الرقمي”، وهو نوع جديد من الإجهاد العصبي يحدث بسبب الاستجابة المستمرة للإشعارات، والضغط غير المعلن للبقاء على اتصال دائم.
في دراسة حديثة أجرتها جامعة ستانفورد، تم رصد أن أكثر من 70% من المستخدمين النشطين للهواتف الذكية يقضون يوميًا أكثر من خمس ساعات على أجهزتهم، وتبين أن نسبة كبيرة منهم يعانون من القلق والاكتئاب بدرجات متفاوتة، دون أن يدركوا العلاقة المباشرة بين أجهزتهم وحالتهم النفسية. ويشير التقرير إلى أن الاستخدام المتواصل للهاتف يضع الدماغ في حالة تأهب دائم، ما يعيق الاسترخاء ويُضعف جودة النوم، وهو ما أكده أيضاً تقرير منظمة الصحة العالمية حول التدهور المتزايد في جودة النوم لدى فئة الشباب.
الأمر لا يقف عند الصحة النفسية فقط، بل يمتد ليشمل العلاقات الاجتماعية التي باتت تعاني من الجفاف العاطفي. العديد من الأزواج، بحسب تقارير طبية واجتماعية، باتوا يشكون من قلة التواصل الحقيقي رغم التواجد الجسدي المشترك، فالانشغال بالهواتف، خاصة قبل النوم، أدى إلى انخفاض مستويات الحميمية والتفاهم، بل وأصبح الهاتف نفسه أحد أسباب الخلافات المتكررة بين الشريكين. في إحدى الدراسات التي شملت 300 زوج وزوجة، أشار أكثر من 60% منهم إلى أن الهواتف الذكية تُعد “العائق الأكبر” أمام الوقت النوعي الذي يجمعهم، خاصة مع تصاعد ظاهرة ما يُعرف بـ”الخيانة الرقمية”، وهي حالات التعلق العاطفي عبر التطبيقات مع أشخاص آخرين دون أن تكون هناك خيانة فعلية على أرض الواقع.
وبينما يلهث العالم نحو المزيد من التطور الرقمي، تتنامى ظاهرة ما يُعرف بـ”الديتوكس الرقمي” أو “الصيام الإلكتروني”، وهي محاولات متزايدة من بعض المستخدمين للانسحاب من هذا الزخم التقني لفترات محدودة بهدف استعادة التوازن النفسي. هذه الموجة بدأت تكتسب زخماً بين المؤثرين على وسائل التواصل، الذين بدورهم اعترفوا بأن الشهرة الرقمية، رغم فوائدها، أدت إلى اضطرابات في علاقاتهم الأسرية والاجتماعية، واضطر بعضهم إلى اللجوء للعلاج النفسي.
من جانب آخر، يشير علماء الأعصاب إلى أن تعرض الدماغ المتكرر للمكافآت الفورية الناتجة عن إشعارات الهاتف والإعجابات على المنشورات يُضعف قدرة الدماغ على التعامل مع الانتظار والإحباط، ويؤثر سلبًا على القدرة على التركيز. هذا التشتت الرقمي أصبح من أبرز أسباب انخفاض الإنتاجية في بيئات العمل، حيث تظهر البيانات أن الموظفين يحتاجون إلى وقت يتراوح بين 10 إلى 20 دقيقة للعودة للتركيز بعد كل مقاطعة رقمية. وبحسب تقرير صادر عن شركة مايكروسوفت، فإن معدل الانتباه البشري انخفض في السنوات الأخيرة إلى ما دون معدل انتباه السمكة الذهبية، وهو ما يدعو للقلق.
ومع تصاعد هذه التحذيرات، بدأت بعض الدول والمؤسسات التعليمية في اتخاذ خطوات عملية للحد من الاعتماد المفرط على الهواتف الذكية، خاصة في أوساط الأطفال والمراهقين. ففي بعض المدارس الأوروبية، بات من الممنوع استخدام الهاتف خلال اليوم الدراسي، بل ويتم جمعها عند بوابة المدرسة، كما بدأت حملات توعية واسعة تحث العائلات على تخصيص ساعات “خالية من الشاشات” للتركيز على الأنشطة العائلية والقراءة واللعب التقليدي.
أما في العالم العربي، فقد بدأت هذه الظاهرة تجد طريقها إلى النقاش العام، مع تزايد عدد المدونين والأطباء النفسيين الذين يتناولون تأثير التكنولوجيا على الصحة النفسية. وقد أطلقت بعض المبادرات المجتمعية تحديات “يوم بلا هاتف”، ووجدت تفاعلًا ملحوظًا خاصة بين الشباب الذين بدأوا يشعرون بثقل الارتباط الزائد بالحياة الافتراضية. في السودان على سبيل المثال، بادر عدد من الأطباء والمثقفين إلى إقامة ندوات وورش عمل بعنوان “ارفع رأسك.. الحياة ليست في الشاشة”، بهدف توعية المواطنين بمخاطر الانفصال الاجتماعي الرقمي.
والمثير أن بعض قصص النجاح بدأت تظهر من أشخاص قرروا التخلي عن هواتفهم الذكية تمامًا والعودة لاستخدام الهواتف القديمة التي تتيح فقط المكالمات والرسائل، مؤكدين أن حياتهم تغيرت للأفضل، وأن علاقاتهم العائلية والاجتماعية شهدت تحسنًا ملحوظًا. هؤلاء يؤكدون أن الانفصال المؤقت عن الإنترنت أتاح لهم وقتًا للتأمل والتفكير والتواصل الحقيقي، وهو ما افتقدوه خلال سنوات من اللهاث وراء التفاعل الرقمي.
لا شك أن الهواتف الذكية جلبت معها الكثير من الفوائد وسهّلت التواصل والعمل، لكنها في الوقت ذاته فرضت تحديات جديدة على الإنسان الحديث، تبدأ من القلق والتشتت ولا تنتهي بالعزلة النفسية وتفكك العلاقات. وربما يكون الحل، كما يرى المختصون، ليس في التخلي الكامل عن التكنولوجيا، بل في إعادة تنظيم العلاقة بها، واستخدامها بوعي، حتى لا يصبح الإنسان عبدًا لجهاز صمّمه ليسهّل حياته، لا ليسلبها هدوءها. وبينما يستعد العالم لاستقبال موجات جديدة من الذكاء الاصطناعي والمزيد من الترابط الرقمي، يبقى السؤال الكبير مطروحًا: هل سنتمكن من حماية إنسانيتنا وسط هذه العاصفة من الإشعارات؟