
اقتصاد السودان على الحافة
متابعات _ الهدهد نيوز _ كشف البنك الدولي، في تقريره الصادر بتاريخ 10 يونيو 2025، عن استمرار الانهيار الاقتصادي في السودان، متوقعًا أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انكماشًا إضافيًا بنسبة 13.5% خلال عام 2024، وذلك بعد أن تقلص بنحو الثلث خلال العام السابق، في ظل استمرار النزاع المسلح الذي اندلع في أبريل 2023. التقرير الذي حمل عنوان “العواقب الاقتصادية والاجتماعية للنزاع: رسم طريق للتعافي” سلّط الضوء على التدهور الحاد في مختلف المؤشرات الاقتصادية والإنسانية، مشيرًا إلى أن السودان يمر بواحدة من أسوأ الأزمات في تاريخه الحديث.
ووفقًا للتقرير، فإن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للسودان انخفض بنسبة 29.4% خلال عام 2023، ما يعكس حجم الضرر العميق الذي لحق بالاقتصاد بسبب الحرب. كما تسبب النزاع المستمر في أكبر موجة نزوح داخلي على مستوى العالم، حيث اضطر نحو 12.9 مليون شخص لمغادرة منازلهم، فيما تم تأكيد وقوع مجاعة فعلية في أحد المخيمات في أغسطس 2024، وهي مؤشرات تنذر بكارثة إنسانية شاملة.
من جانب آخر، أشار البنك الدولي إلى أن معدل الفقر المدقع، الذي يُقاس بالعيش بأقل من 2.15 دولار في اليوم، ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة، إذ تضاعف من 33% في عام 2022 ليبلغ نحو 71% من السكان في عام 2024. هذا الارتفاع الهائل في معدلات الفقر ترافق مع زيادة معدلات البطالة إلى 47%، مقارنة بـ32% قبل عامين، ما يعكس شللًا شبه كامل في النشاط الاقتصادي وفرص العمل.
التضخم هو الآخر واصل تصاعده، حيث بلغ 170%، وسط انهيار الجنيه السوداني وتآكل القوة الشرائية للمواطنين، بينما تراجعت الإيرادات الحكومية بشكل حاد إلى 4.7% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، بعد أن كانت 10% في عام 2022، وهو ما قيّد بشدة قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية وتسيير مؤسساتها.
في ظل هذه الأوضاع المتدهورة، اعتبر البنك الدولي أن الزراعة تمثل أبرز القطاعات التي يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في إعادة بناء الاقتصاد. إذ يشكل هذا القطاع ما يقارب 35% من الناتج المحلي الإجمالي ويؤمّن مصدر رزق لأكثر من 40% من القوى العاملة. لكن رغم هذه الأهمية، فقد تضررت الزراعة بشكل بالغ نتيجة تمدد العمليات القتالية إلى ولايات زراعية رئيسية كولاية الجزيرة، حيث تراجع إنتاج الحبوب بنسبة 46% في عام 2023 مقارنة بالعام الذي سبقه.
أوضح التقرير أن أي أمل في تعافٍ اقتصادي مستدام مرهون بوقف الحرب وإطلاق حزمة من الإصلاحات الهيكلية العميقة. ودعا البنك الدولي إلى استئناف مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC) للحصول على إعفاء ضروري من الديون الخارجية فور تحقق السلام. كما أوصى بعدم العودة إلى سياسة الدعم السلعي الواسع، وخاصة في مجالات الطاقة والكهرباء، مؤكدًا أهمية اعتماد سعر صرف موحد من أجل استقرار الأسواق.
التقرير شدد كذلك على ضرورة إحداث تغيير جذري في أولويات الإنفاق العام، من خلال تقليص تمويل المؤسسات التي تسيطر عليها القوى العسكرية، وتحويل الموارد نحو القطاعات الاجتماعية والإنتاجية. ويشمل ذلك الاستثمار في الزراعة لدعم المجتمعات الريفية، وإعادة بناء منظومتي التعليم والصحة، باعتبارهما حجر الأساس لإعادة تأهيل رأس المال البشري وتمكين البلاد من تجاوز محنتها الحالية في السنوات القادمة.