
حكم قضائي مفاجئ يثير الجدل في الدامر
متابعات _ الهدهد نيوز _ في تطوّر قضائي لافت يُحتمل أن يشكّل نقطة تحوّل في مسار التعامل مع قضايا أمن الدولة في السودان، أصدرت محكمة جنايات الدامر، تحت رئاسة القاضي عمر عبدالعاطي أحمد، حكمًا بالإعدام شنقًا حتى الموت على المتهم عبدالسلام إبراهيم حميدة، بعد إدانته رسميًا بالتعاون مع تشكيلات عسكرية خارجة عن سلطة الدولة. هذا الحكم، الذي جاء في سياق القضية الجنائية رقم (2103/2024)، اعتبره مراقبون من أقوى الأحكام المرتبطة بجرائم أمن الدولة خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا في ظل تصاعد التحديات الأمنية التي تواجه البلاد منذ اندلاع النزاع العسكري في أبريل 2023.
وقد استند الحكم إلى مواد 26 و50 و51 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1999، وهي مواد تُعنى بالجرائم المتعلقة بأمن الدولة، بما في ذلك التآمر، والتخابر، والمشاركة في أنشطة تهدد السلامة الوطنية. النيابة العامة، ممثلة بوكيلة النيابة سلافه محمد أحمد، عرضت ملف الاتهام خلال جلسات المحاكمة، بينما تولى محامي الدفاع عن المتهم المرافعات الختامية التي سبقت جلسة النطق بالحكم.
وبحسب ما توفر من معلومات من داخل قاعة المحكمة، فإن القضية شغلت الرأي العام المحلي منذ لحظة الإعلان عنها، نظراً لحساسية الاتهامات وتوقيتها الحرج، تزامنًا مع تصاعد الاشتباكات في مناطق متعددة من البلاد. وما أضفى طابعًا استثنائيًا على القضية هو الخلفية الأمنية التي اتُهم فيها عبدالسلام بالتورط مع مجموعات عسكرية مصنفة على أنها “مليشيات متمردة”، والتي تُنسب إليها أعمال عنف وتهديد مباشر لمؤسسات الدولة.
ويبدو أن هذا الحكم لم يكن قرارًا قضائيًا فحسب، بل انعكاسٌ لاتجاه رسمي متشدد في مواجهة أي تحرك يُعد مساسًا بهيبة الدولة أو تواطؤًا مع قوى مسلّحة خارجة عن القانون. في هذا السياق، يرى محللون أن القرار يُرسل رسالة واضحة تفيد بأن القضاء السوداني لن يتهاون مع من يثبت تعاونه مع الأطراف التي تهدد استقرار البلاد، أياً كانت مبررات هذا التعاون أو خلفياته.
ولعلّ ما زاد من تفاعل الجمهور مع القضية، هو التوقيت السياسي الحرج الذي تمرّ به البلاد، في ظل تفكك أمني ومؤسسي متصاعد، ألقى بظلاله على المشهد العام، وتسبّب في انهيار أجزاء واسعة من الدولة السودانية. وفي مثل هذا المناخ، يصبح لكل حكم قضائي دلالات سياسية وأمنية تتجاوز مجرد البُعد القانوني المجرد.
وقد اعتبر بعض الحقوقيين أن حكم الإعدام في قضية عبدالسلام إبراهيم حميدة يشكّل سابقة مهمة ستُؤخذ في الاعتبار مستقبلاً عند التعامل مع قضايا التعاون مع الجماعات المسلحة. كما يمكن أن يُستخدم كنموذج يُستشهد به في المحاكمات المشابهة التي لا تزال ملفاتها قيد النظر، خصوصًا مع تزايد القضايا التي تُرفع ضد مدنيين أو عسكريين يُشتبه في دعمهم أو تنسيقهم مع قوى مسلحة.
من جهتها، لم تُصدر الحكومة الانتقالية بيانًا رسميًا بشأن الحكم حتى لحظة إعداد هذا التقرير، غير أن مصادر قريبة من أجهزة الدولة أشارت إلى أن الجهات الرسمية تعتبر هذا الحكم رسالة ردع قانونية ضرورية في هذه المرحلة التي تسعى فيها الحكومة إلى فرض النظام واستعادة سيادتها على الأراضي والمرافق الحيوية.
في المقابل، ظهرت أصوات في بعض المنصات الإعلامية ومنظمات حقوق الإنسان تطالب بإعادة النظر في ظروف المحاكمة، مشيرة إلى ضرورة منح المتهمين في قضايا أمن الدولة ضمانات قانونية كاملة، خاصة أن السودان يعاني من واقع استثنائي قد يؤثر على حيادية بعض الإجراءات القضائية. كما عبّر بعض المراقبين عن خشيتهم من أن يؤدي تصاعد أحكام الإعدام إلى مزيد من التوتر المجتمعي، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تهدئة واستقرار أكثر من المواجهات القضائية الحادة.
وفي تحليله لتداعيات الحكم، يشير المحامي والباحث في القانون الدولي، محمد سليمان الطيب، إلى أن القرار وإن كان قانونيًا من حيث النصوص التي استند إليها، إلا أن انعكاساته السياسية ستكون أعمق من مجرد تنفيذ حكم على متهم واحد. “نحن أمام مفترق طرق حساس: فإما أن يتحول الحكم إلى مرجعية قضائية تُحترم ضمن بيئة عدلية مستقلة، أو أن يُنظر إليه كأداة من أدوات التصعيد في معركة سياسية أكبر”، حسب تعبيره.
وبينما تُواصل السلطات القضائية التعامل مع عدد من الملفات المماثلة، يدعو عدد من المختصين إلى ضرورة موازنة الحزم القانوني بالعدالة الإنسانية، لضمان ألا تتحول أحكام الإعدام إلى أدوات ضغط أو رسائل سياسية، بل أن تبقى نابعة من إجراءات قضائية مدروسة، شفافة، وتخضع لمراجعة كاملة في حال توفرت أية معطيات جديدة.
وفي ظل تضارب التقديرات حول مدى تأثير الحكم على الوضع الأمني في السودان، يبقى الأكيد أن القضية ستُستخدم مرجعًا عند الحديث عن التحديات القانونية المرتبطة بجرائم أمن الدولة، خاصة في بيئة مليئة بالتعقيدات مثل السودان. كما أن هذا النوع من القضايا قد يدفع السلطات إلى النظر في ضرورة إصلاح منظومة العدالة الجنائية، وتعزيز قدراتها لمواجهة الجرائم المعقدة المرتبطة بالنزاع المسلح، من خلال أدوات قانونية واضحة المعالم، وعادلة في تطبيقها.
ومن المتوقع أن تستمر ردود الفعل على هذا الحكم خلال الأيام المقبلة، سواء من داخل السودان أو من المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان. كما أن هيئة الدفاع قد تتقدم بطلب استئناف، ما يعني أن القضية مرشحة للبقاء في واجهة الاهتمام القضائي والإعلامي لأسابيع وربما شهور قادمة.
بهذا الحكم، تدخل السودان مرحلة جديدة من المواجهة القضائية مع مظاهر الفوضى الأمنية، وسط أسئلة مفتوحة حول جدوى الإعدام كأداة ردع، ودوره في تعزيز الاستقرار أو تفاقم الاحتقان، في بلدٍ يمرّ بمنعطف من أكثر المراحل تعقيدًا في تاريخه الحديث.