صحتك

قرارك اليوم قد ينقذ حياتك.. كيف تترك التدخين قبل فوات الأوان؟

الهدهد نيوز

قرارك اليوم قد ينقذ حياتك.. كيف تترك التدخين قبل فوات الأوان؟

الهدهد نيوز _ في حياة كثير من المدخنين، تأتي لحظة يقرر فيها الإنسان أن يضع حدًا لعلاقة طويلة ومدمرة مع السيجارة، إلا أن هذا القرار غالبًا ما يرافقه صراع داخلي بين الرغبة في التحرر من الإدمان والخوف من الفشل أو الانتكاس. التدخين، الذي يبدو للبعض عادة اجتماعية أو وسيلة للهروب من التوتر، هو في الحقيقة مرض إدماني مزمن يحمل في طياته أضرارًا جسيمة تبدأ من الرئة ولا تنتهي عند القلب والمخ والكبد، ويؤثر على الإنسان نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا أيضًا. فالسجائر، رغم صغر حجمها، تختزن آلاف المواد السامة والمواد المسرطنة، وعلى رأسها النيكوتين وأول أكسيد الكربون والقطران، وهي مواد تُحدث تآكلاً بطيئًا في صحة المدخن مع مرور الأيام.

 

 

في كل سيجارة، تدخل إلى الجسم مركبات كيميائية تغير توازنه الحيوي وتضعف أجهزته المناعية والعصبية والدموية. المدخن لا يضر نفسه فقط، بل يضر أيضًا كل من يشاركه الهواء، فالتدخين السلبي بات يُعتبر أحد مسببات الأمراض التنفسية لدى الأطفال وكبار السن، ويزيد من فرص الإصابة بالسرطان لدى غير المدخنين الذين يتعرضون لدخان السجائر. وبينما تنشغل الحكومات والمنظمات الصحية العالمية بمحاربة الوباء الصامت الذي يدعى التدخين، يبقى القرار الأهم بيد الفرد نفسه، إذ يبدأ طريق الشفاء بالإرادة الحقيقية لاتخاذ الخطوة الأولى.

إعلان

 

 

الإقلاع عن التدخين ليس بالأمر المستحيل كما يتصور البعض، بل هو مسار يمكن الوصول فيه إلى نتائج ملموسة خلال أيام قليلة، ويبدأ الجسم في التعافي سريعًا بمجرد التوقف. خلال أول 20 دقيقة من التوقف، يعود معدل ضربات القلب إلى طبيعته، وخلال ساعات تقل نسبة أول أكسيد الكربون في الدم، وفي خلال أيام تتحسن حاستا الشم والتذوق. وبعد أسابيع قليلة، يشعر المدخن السابق بتحسن في التنفس وزوال الكحة المزمنة، ويبدأ الشعور بالطاقة يعود تدريجيًا إلى الجسد. وعلى المدى الطويل، تتراجع بشكل كبير فرص الإصابة بسرطان الرئة وأمراض القلب والجلطات، ويستعيد الجسم جزءًا كبيرًا من وظائفه الحيوية التي أُرهقت بسبب السموم.

 

 

الكثيرون يظنون أن أكبر تحدي في الإقلاع عن التدخين هو التغلب على الإدمان الجسدي للنيكوتين، لكن الواقع يؤكد أن الجانب النفسي هو الأكثر تعقيدًا. فالسجائر ترتبط في عقل المدخن بمواقف معينة، كتناول القهوة أو قيادة السيارة أو حتى الجلوس مع الأصدقاء، ما يجعل من التخلي عنها تجربة صعبة في البداية. ولذلك، ينصح المختصون بأن يبدأ المدخن بالإعداد النفسي عبر وضع خطة مدروسة تتضمن تحديد موعد دقيق للإقلاع، وتدوين الأسباب التي تدفعه للتوقف، سواء كانت صحية أو اقتصادية أو اجتماعية، فكلما زادت الدوافع الشخصية، زادت فرص النجاح.

 

 

من الضروري أن يدرك من ينوي الإقلاع عن التدخين أن الانتكاسات محتملة، وأن الفشل في المحاولة الأولى لا يعني نهاية الطريق. كثير من المدخنين احتاجوا إلى عدة محاولات قبل أن ينجحوا، والمفتاح الحقيقي يكمن في الاستمرار في المحاولة، وعدم الاستسلام للشعور بالإحباط. وفي هذا السياق، تُعدّ بدائل النيكوتين مثل اللصقات والعلكة والبخاخات من الوسائل الفعالة التي يمكن أن تساعد في تجاوز أعراض الانسحاب، كما أن الدعم النفسي من الأصدقاء والعائلة له أثر بالغ في تعزيز الثقة بالنفس وتحفيز الإرادة.

 

 

يُضاف إلى ذلك أن تجنب المحفزات من الخطوات المهمة التي تسهّل من عملية الإقلاع، فعلى المدخن أن يبتعد عن الأجواء التي اعتاد التدخين فيها، وأن يستبدل العادات اليومية التي ارتبطت بالسجائر بسلوكيات جديدة أكثر فائدة، مثل ممارسة الرياضة، أو القراءة، أو الانخراط في أنشطة اجتماعية مفيدة. بعض الأطباء يقترحون أيضًا كتابة مذكرات يومية لتسجيل مراحل التغيير، بما في ذلك المشاعر والإنجازات الصغيرة، ما يساهم في تقوية الحافز الداخلي ويمنح الشخص شعورًا بالتقدّم.

 

 

لا يمكن إغفال الأثر الاقتصادي للإقلاع عن التدخين، فالسجائر تمثل عبئًا ماديًا متكررًا، خاصة في ظل ارتفاع أسعار التبغ عالميًا. والمدهش أن كثيرًا من المدخنين يدركون في مرحلة لاحقة أنهم أنفقوا خلال سنوات مبالغ ضخمة كان يمكن استثمارها في أشياء تعود عليهم بالنفع. كذلك فإن البيئة المنزلية تصبح أكثر صحة وراحة، خاصة للأطفال، إذ تقل مخاطر إصابتهم بالربو والحساسية وأمراض الجهاز التنفسي، كما يشعر الشريك أو أفراد الأسرة بارتياح أكبر نتيجة اختفاء رائحة الدخان والآثار السلبية المصاحبة له.

 

 

إن تجربة الإقلاع عن التدخين، رغم صعوبتها، تُعدّ من أكثر التجارب تحررًا وإنقاذًا للحياة، فهي قرار فردي لا يحتاج إلى أدوات معقدة بقدر ما يحتاج إلى عزيمة وإصرار. وقد أثبتت الدراسات أن كل شخص يقلع عن التدخين يزيد عمره المتوقع بمعدل 10 سنوات في المتوسط، ما يعكس أهمية القرار وتأثيره على المستقبل الصحي. كذلك فإن الإقلاع عن التدخين يحمل رسائل إيجابية للمجتمع، ويشجع الآخرين على اتخاذ خطوات مماثلة، خاصة الشباب وصغار السن الذين يراقبون من حولهم ويتأثرون بسلوك الكبار.

 

 

وفي النهاية، يمكن القول إن كل سيجارة لا يتم إشعالها هي خطوة نحو الحياة. والتوقف عن التدخين ليس فقط وقاية من المرض، بل هو إعلان عن بداية جديدة، خالية من التبعية للنيكوتين، مليئة بالحيوية، والطاقة، والثقة في النفس. فالجسم البشري لديه قدرة مذهلة على الشفاء، لكنه يحتاج إلى فرصة، وهذه الفرصة تبدأ عندما تُطفأ آخر سيجارة، وتُتخذ أول خطوة نحو الحرية.

 

إعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى