
ابنة بيل غيتس تُدهش العالم بتصريح جريء عن الفقر!
منوعات _ الهدهد نيوز _ في عالمٍ يتسم بالترف والمظاهر البراقة، غالباً ما يُنظر إلى أبناء الأثرياء كرموز للرفاهية والانفصال عن واقع الحياة اليومية التي يعانيها ملايين البشر حول العالم. لكن الملياردير الأميركي ومؤسس شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، اختار لنفسه ولعائلته نهجاً مختلفاً يثير الإعجاب ويحفّز على التفكير، حيث يحرص على تربية أبنائه على قيم التواضع، والاجتهاد، والمسؤولية الاجتماعية، رغم امتلاكه ثروة تتجاوز 100 مليار دولار.
منذ تأسيسه مايكروسوفت في سبعينيات القرن الماضي، لم يكن بيل غيتس مجرد رجل أعمال يطمح للربح، بل أظهر منذ وقت مبكر اهتماماً متزايداً بالقضايا العالمية، وخاصة الصحة العامة والتعليم ومكافحة الفقر. هذا الوعي المجتمعي انعكس بشكل مباشر على طريقة تربيته لأبنائه، وعلى رأسهم ابنته الكبرى جينيفر غيتس، التي أصبحت نموذجاً للشباب الطموح الملتزم بالقيم الإنسانية.
في العديد من اللقاءات الإعلامية، أكد بيل غيتس أنه لا يخطط لترك كامل ثروته لأبنائه، معتبرًا أن “منح الأطفال ثروة ضخمة ليس من مصلحتهم الشخصية، وقد يحرمهم من تطوير مهاراتهم الحياتية والعملية”. وبدلاً من ذلك، خصص معظم ثروته لدعم مؤسسة “بيل وميليندا غيتس”، التي تعد اليوم واحدة من أكبر وأهم المؤسسات الخيرية في العالم.
جينيفر غيتس، التي درست الطب وتُعرف بنشاطها في مجال الفروسية والعمل التطوعي، عبرت في أكثر من مناسبة عن تقديرها لتربية والدها، وقالت إن بيل غيتس كان دائمًا يُشجعها على النظر إلى ما هو أبعد من الامتيازات المادية، والتركيز على أهمية خدمة المجتمع ورد الجميل للآخرين. وأضافت أن والدها لطالما تحدث معها عن معاناة الفقراء حول العالم، وعدم المساواة في الفرص، وضرورة أن يستخدم الأثرياء نفوذهم وثرواتهم لإحداث فرق حقيقي في حياة الناس.
وتضيف جينيفر أن العائلة رغم قدرتها على السفر بطائرات خاصة والإقامة في أفخم الفنادق، كانت تلتزم بأنشطة بسيطة، مثل الطبخ العائلي أو التطوع في الجمعيات الخيرية، وكان والدها دائم التذكير بأن الحياة ليست مجرد رفاهية، بل مسؤولية. وتشير إلى أن هذه التربية ساعدتها على أن تكون أكثر وعياً وتقديراً لما يمتلكه الآخرون، وأهمية العمل الجاد في بناء حياة مستقرة وذات مغزى.
مؤسسة “بيل وميليندا غيتس” التي أسسها بيل غيتس مع طليقته، خصصت منذ إنشائها عشرات المليارات من الدولارات لدعم برامج التعليم ومكافحة الأمراض المعدية مثل الملاريا وشلل الأطفال، وتحسين الخدمات الصحية في الدول النامية، ودعم المشاريع الصغيرة التي تُمكّن النساء في أفريقيا وآسيا من بناء مصادر دخل مستدامة. وقد امتد تأثير هذه المؤسسة ليشمل أكثر من 130 دولة، مما جعلها مثالاً يُحتذى به في العمل الخيري المؤسسي.
في إحدى تصريحاته، قال غيتس: “نحن نعيش في عالم غير عادل. عندما يرى أطفالي ذلك، أريد منهم أن يعرفوا أن عليهم دوراً في إصلاح هذا الوضع”. هذه القناعة تُشكّل جوهر فلسفة غيتس في التربية، حيث يرى أن المال وسيلة وليس غاية، وأن على كل شخص يملك امتيازات أن يسهم في تمكين الآخرين.
ولا يقتصر هذا النهج على الجانب الخيري فقط، بل يشمل أيضاً تعزيز ثقافة التواضع والامتنان في الحياة اليومية. فقد ذكر غيتس في حوار مع صحيفة ألمانية، أنه كان يطلب من أبنائه غسل أطباقهم بأنفسهم، والقيام ببعض المهام المنزلية، حتى في وجود خدم. وأوضح أن هذه التفاصيل الصغيرة تُعلم الأطفال احترام الجهد والعمل اليدوي، وتمنعهم من الشعور بأنهم مختلفون عن الآخرين فقط بسبب امتلاكهم المال.
من زاوية نفسية وتربوية، يرى خبراء أن هذا النوع من التربية يحمي الأبناء من الانفصال عن الواقع، ويمنحهم شخصية متزنة وأكثر قدرة على التكيف مع التحديات. فغالباً ما يُواجه أبناء الأثرياء صعوبة في إيجاد هويتهم الحقيقية، نتيجة التوقعات العالية من المجتمع، أو رغبتهم في إثبات ذاتهم بعيداً عن ظل آبائهم. لكن النموذج الذي يتبعه غيتس يساعد على تعزيز الثقة بالنفس وتحقيق التوازن بين الطموح الشخصي والمسؤولية الاجتماعية.
إن قصة بيل غيتس وابنته جينيفر تقدم رسالة قوية، ليس فقط لأبناء الأثرياء، بل لكل الآباء حول العالم، مفادها أن التربية السليمة لا تتعلق بحجم ما تملكه من مال، بل بكيفية استخدام هذا المال لتنشئة جيل قادر على فهم العالم، وتقدير الآخرين، والإسهام في تحسين الواقع.
وفي الوقت الذي يعاني فيه ملايين الأشخاص في العالم العربي من الفقر والبطالة وانعدام الفرص، يبرز النموذج الذي يقدمه غيتس كدعوة للتفكر: كيف يمكن استخدام الموارد المتاحة – وإن كانت محدودة – لتربية جيل قادر على التغيير؟ وهل بإمكان الأثرياء العرب أن يستفيدوا من تجربة غيتس، فيدمجوا العمل الخيري بتربية الأبناء، ليكون لهم دور محوري في مجتمعاتهم؟
إن المساهمة في بناء إنسان مسؤول وواعٍ تبدأ من داخل المنزل، وهي مسؤولية تبدأ من الأب والأم، وتستمر عبر كل مرحلة من مراحل حياة الأبناء. وكما يقول بيل غيتس: “أعظم استثمار يمكن أن تقوم به، هو الاستثمار في إنسان”.