اخبار اقتصادية

سر الثراء المدفون.. كيف يمكن للماء أن ينقذ اقتصاد السودان

متابعات _ الهدهد نيوز

سر الثراء المدفون.. كيف يمكن للماء أن ينقذ اقتصاد السودان

متابعات _ الهدهد نيوز _ في عالمٍ تتزايد فيه الحروب بسبب قطرة ماء، يقف السودان على مفترق طرق مصيري، يمتلك فيه من الموارد المائية ما لا تمتلكه دول عظمى، لكنه لا يزال يُصنّف بين الدول المتعثرة زراعيًا والغارقة في فجوة غذائية قاتلة.

 

يمرّ عبر أراضي السودان أحد أعظم أنهار العالم – النيل – ويحتضن إلى جانبه عشرات الروافد الموسمية والدائمة، فضلًا عن مياه جوفية ضخمة ترقد في أحشاء البلاد من دارفور حتى بورتسودان. ومع ذلك، يبقى سؤال ملحّ يطرح نفسه: لماذا لا يتحول السودان إلى سلة غذاء أفريقيا، أو حتى قوة زراعية عالمية تقود صادرات الغذاء في وقت تعاني فيه القارات من موجات جفاف؟

 

 

إعلان

الفرص المائية الهائلة التي يملكها السودان ليست مجرد ترف جغرافي، بل ورقة ضغط استراتيجية يمكن أن تغيّر مصير الاقتصاد الوطني من الهاوية إلى الريادة. ومع اتساع رقعة الأراضي الزراعية الخصبة، فإن كل نقطة ماء غير مستثمرة تعني موسم جوع مؤجل، أو ارتفاعًا جديدًا في أسعار الغذاء داخل الأسواق المحلية.

 

 

وبينما تسعى دول مثل مصر وإثيوبيا لاستغلال كل قطرة ماء وتحويلها إلى منتج أو مشروع تنموي، ما زال السودان يُهدر عشرات المليارات من الأمتار المكعبة من المياه سنويًا، بسبب غياب شبكات حصاد مياه فعّالة، وسوء إدارة المياه السطحية، وتراجع كبير في الاستثمار بقطاع الري الحديث.

 

 

في ولايات مثل سنار، القضارف، النيل الأبيض، ونهر النيل، ترتفع معدلات الأمطار الموسمية إلى مستويات عالية، لكنها تُغادر بسرعة دون أن تُحتجز في خزانات أو سدود أو أحواض زراعية. والنتيجة: سيول مدمرة في الخريف، وجفاف قاتل في الصيف.

 

 

أما مشاريع الري الكبرى مثل الجزيرة والرهد والسوكي، فقد تحوّلت من أيقونات تنموية إلى مرافق مُهملة، تئن تحت وطأة الإهمال والتجريف والتصحر الإداري. وأصبح الفلاح السوداني يخوض معركته السنوية دون ضمانات، يعتمد على السماء أكثر من الدولة، وعلى الحظ أكثر من الخطة.

 

 

الفرصة لا تزال قائمة، لكن الزمن يضيق. فبينما تشتعل أسعار الغذاء عالميًا، وتتهافت الأسواق على من يزرع القمح والذرة والفواكه والبقول، يمكن للسودان أن يُعيد رسم خريطة اقتصاده بالاعتماد على الماء كمفتاح لكل شيء: الزراعة، والصناعة، والتصدير، وخلق الوظائف، وحتى الأمن القومي.

 

 

لكن هذا لن يحدث دون إرادة سياسية قوية، وإستراتيجية وطنية شاملة لإدارة المياه. المطلوب ليس فقط إنشاء سدود جديدة، بل تحديث منظومات الري، دعم البحث العلمي في تقنيات الحصاد المائي، وتشجيع المستثمرين على دخول القطاع المائي الزراعي كقوة اقتصادية.

 

 

في السودان، الماء لا يعني فقط البقاء.. بل يعني الخروج من الفقر، وقف النزوح، كبح التوترات الاجتماعية، وربما إعادة بناء الدولة من جديد على أسس الإنتاج لا الاستهلاك.

لقد آن الأوان لننظر إلى الماء كنفط المستقبل.. والسودان يملك من هذا النفط ما يكفي لإنقاذه وإنقاذ غيره.

إعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى