اخبار اقتصادية

الاقتصاد الخفي.. دولة موازية داخل الدولة تُعطّل نمو الناتج المحلي

الهدهد نيوز

الاقتصاد الخفي.. دولة موازية داخل الدولة تُعطّل نمو الناتج المحلي

متابعات _ الهدهد نيوز _ رغم تقارير التنمية والتفاؤل الاقتصادي الذي تروّجه الحكومات في الدول النامية، إلا أن شبح “الاقتصاد الرمادي” لا يزال يتمدد في صمت، ويعيد تشكيل الملامح الحقيقية للنمو، بعيدًا عن دفاتر الإحصاء الرسمية. ففي الوقت الذي تعلن فيه بعض الدول ارتفاعًا في مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي، تخفي هذه الأرقام قطاعًا هائلًا من النشاطات الاقتصادية التي لا تمر عبر القنوات المؤسسية ولا تخضع للضرائب أو الرقابة.

 

 

 

إعلان

 

الاقتصاد الرمادي، أو ما يُعرف بالاقتصاد غير الرسمي، لا يعني بالضرورة النشاطات غير المشروعة، بل يشمل ملايين الأفراد الذين يبيعون السلع في الأسواق الشعبية، والحرفيين، وسائقي النقل غير المسجلين، ومقدمي الخدمات المنزلية، والمشاريع الصغيرة غير المرخصة التي تعمل خارج المظلة الحكومية.

 

 

 

 

ووفقًا لتقديرات غير رسمية، فإن أكثر من 60% من القوى العاملة في بعض الدول الإفريقية والآسيوية تعمل ضمن هذا القطاع. ما يعني أن الحكومات لا تملك بيانات دقيقة حول مدخولاتهم أو إنتاجيتهم أو حتى حجم مساهمتهم الحقيقية في الاقتصاد الوطني.

 

 

 

ورغم أن هذا النمط من النشاط الاقتصادي قد يوفّر فرص عمل ويمتص بعض معدلات البطالة، إلا أنه يُعرقل قدرة الدولة على التخطيط المالي السليم. فالموازنات العامة تُبنى على بيانات غير مكتملة، ومعدلات الضرائب تتوزع بظلم، فيما تظل النفقات الاجتماعية عاجزة عن ملاحقة الاحتياجات الحقيقية للسكان.

 

 

 

 

خبراء الاقتصاد يحذّرون من أن هذا النوع من النمو غير المنظور يمكن أن يُنتج فقاعة اجتماعية، حيث يشعر المواطنون بأن تحسن المؤشرات الكلية لا ينعكس على حياتهم اليومية. فالمواطن الذي يبيع السلع على الرصيف لا يعنيه كثيرًا ما إذا ارتفعت صادرات البلاد أو انخفض العجز التجاري، لأنه ببساطة ليس جزءًا من هذه المعادلة الرسمية.

 

 

في مصر على سبيل المثال، تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن الاقتصاد غير الرسمي يُمثل نحو 40% من الناتج المحلي الحقيقي، بينما يعتقد اقتصاديون مستقلون أن النسبة قد تصل إلى 60% إذا أُخذت في الاعتبار كل أشكال الدخل غير المسجل.

 

 

 

أما في السودان، فالأمر أكثر تعقيدًا، إذ يعيش اقتصاد البلاد منذ عقود على التهريب عبر الحدود، وسوق العملة الموازي، والمضاربات العشوائية، وبيع الذهب خارج القنوات الرسمية، وكلها مظاهر تندرج تحت ما يُعرف بالاقتصاد الرمادي أو الاقتصاد غير المنضبط. ويقدّر بعض الباحثين أن حجم الاقتصاد غير الرسمي هناك يفوق الاقتصاد الرسمي نفسه.

 

هذا التداخل بين الاقتصادين يُنتج حالة “دولة داخل دولة”، حيث يُدار جزء كبير من الثروة القومية خارج سياق المؤسسات، مما يُضعف من فعالية السياسات النقدية، ويُربك السلطات الضريبية، ويجعل تحقيق العدالة الاجتماعية أمرًا بعيد المنال.

 

 

لكن على الرغم من التحديات، يرى بعض المحللين أن إدماج هذا الاقتصاد تدريجيًا في النظام الرسمي لا يجب أن يتم عبر القمع أو الجباية القسرية، بل من خلال تشجيع الثقة، وتقديم الحوافز، وتبسيط إجراءات الترخيص، وتوفير التأمين الاجتماعي لأصحاب الدخل غير الرسمي.

 

 

إن إدراك صانعي القرار لطبيعة هذا الاقتصاد المعقد، والسعي لتحويله إلى شريك في عملية التنمية، هو الخطوة الأولى نحو إصلاح اقتصادي شامل يعكس الواقع الحقيقي للناس، لا مجرد أرقام في تقارير رسمية.

 

 

وفي زمن التحول الرقمي، تبرز فرص جديدة لتضمين الاقتصاد الرمادي في الفضاء الرسمي، من خلال منصات الدفع الإلكتروني، والتطبيقات الرقمية للخدمات، والتسجيل الرقمي للأنشطة الصغيرة، وهو ما قد يمثّل المدخل الأمثل لصياغة سياسة مالية أكثر عدالة، ونمو اقتصادي أكثر شمولًا.

إعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى