اخبار اقتصادية

ليس ترفًا بعد الآن.. كيف سبقت الإمارات العالم بقانون واحد فقط؟

اخبار اقتصادية _ الهدهد نيوز

ليس ترفًا بعد الآن.. كيف سبقت الإمارات العالم بقانون واحد فقط؟

الهدهد نيوز – اخبار اقتصادية
في صمتٍ شديد، تغيّر مفهوم العمل حول العالم. فبينما كان يُنظر إلى “العمل من المنزل” أو “الدوام المرن” على أنه امتياز نادر يمنح للموظف المُدلّل أو الموهوب، تحوّل اليوم إلى شرط موضوعي لبقاء الاقتصادات على قيد الحياة. لم يكن هذا التحوّل نتيجة وعي مفاجئ أو طفرة فكرية لدى الحكومات، بل نتاج 50 عاماً من التجريب، والبحث، وجائحة واحدة حاسمة فجّرت كل الثوابت.

 

 

 

هذا ما تكشفه أحدث بيانات تقرير “المرأة وأنشطة الأعمال والقانون” الصادر عن البنك الدولي، والذي وضع يده على خريطة التغيير التشريعي فيما يخص ترتيبات العمل المرنة في 190 اقتصاداً، بدءاً من عام 1971 وحتى 2024. لكن الأهم من الأرقام، هو ما يقوله هذا المسار القانوني عن العدالة الإنتاجية، ودور المرأة، ومكانة الموظف العادي في معادلة النمو.

إعلان

 

 

 

تشير الأرقام إلى أن البلدان التي قنّنت ترتيبات العمل المرنة – من حيث الوقت أو المكان – هي ذاتها التي حصدت أعلى نسب مشاركة نسائية في سوق العمل، وحققت نمواً أكثر شمولاً في الدخل والإنتاجية. بل وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن سد فجوة مشاركة النساء في القوى العاملة قد يرفع دخل الفرد بنسبة تصل إلى 20% على المدى الطويل.

 

 

التحولات لم تكن عشوائية. فرنسا، على سبيل المثال، كانت السباقة إلى تشريع “الدوام المرن” في 1974، ولكنها انتظرت حتى 2013 لتعترف قانونًا بـ”العمل عن بُعد”. بلغاريا سارت على النهج ذاته، بينما تميّزت سلوفاكيا عام 2003 بدمج الترتيبين معًا في تشريع واحد، ففتحت بذلك نافذة عالمية نحو نموذج تشغيل أكثر واقعية وإنسانية.

 

 

 

لكن الصورة الإجمالية لا تزال غير متوازنة. فحتى اليوم، لا تزال 78% من اقتصادات العالم تفتقر إلى قوانين تسمح للموظف باختيار وقت عمله، و68% لا تتيح له طلب العمل عن بعد. أما الجمع بين الخيارين – أي المرونة في الزمان والمكان معًا – فلا يزال حلمًا قانونيًا متاحًا فقط في 23 دولة حول العالم.

 

 

 

ما تغيّر بشكل جوهري هو أن جائحة كورونا لم تكن مجرد كارثة صحية، بل محرّك تشريعي عالمي. فبين عامي 2020 و2023، تسارعت وتيرة إقرار القوانين المرتبطة بالعمل المرن، ليس فقط في الدول الأوروبية، بل حتى في بلدان لم يكن لديها أساس قانوني سابق لهذا النوع من التشغيل، مثل ماليزيا، بيرو، موريشيوس، وفيتنام. لقد أصبح العمل عن بعد مطلبًا عامًا ومكونًا أصيلاً في استراتيجيات الاستجابة للأزمات.

 

 

 

تقرير البنك الدولي لم يكتف بعرض الوقائع، بل ذهب إلى ما هو أبعد: “العمل المرن لم يعد استثناءً تنظمه الحاجة، بل قاعدة اقتصادية تفرضها العدالة والإنتاجية معًا”. التحدي اليوم هو في توسيع هذه القاعدة، لا عبر القرارات الإدارية فحسب، بل عبر التشريعات الراسخة التي تحمي حق الموظف وتضمن استمرارية الشركات في عالمٍ لم يعد يعترف بمركزية المكتب.

 

 

 

وفي حين لا يزال العالم العربي – باستثناء الإمارات – غائبًا تشريعيًا عن هذه التحولات، فإن السؤال المطروح على اقتصادات الجنوب، ومنها السودان، ليس ما إذا كان العمل المرن ضروريًا، بل: ما الذي ننتظره؟

إعلان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى