
رغم الهدوء النسبي.. ما الذي يمنع عودة النازحين إلى الخرطوم؟
متابعات _ الهدهد نيوز _ مع كل يوم يمر، يتعمق سؤال وجودي يطرح نفسه على الأسر السودانية التي غادرت الخرطوم تحت نيران الحرب: هل آن أوان العودة؟ وفي ظل انعدام الخدمات الأساسية وغياب الضمانات الأمنية، يبدو أن حلم العودة لا يزال بعيد المنال، رغم الأحاديث المتكررة عن تحرير العاصمة. آلاف الأسر تشتتت بين بلدان الجوار مثل مصر، ليبيا، تشاد، وجنوب السودان، فيما لجأت أعداد أخرى إلى دول الخليج وتركيا، بعد أن مزقت الحرب نسيجهم الاجتماعي، واقتلعتهم من جذورهم.
لكنّ مأساة النزوح لم تنتهِ بخروج الجنجويد من مناطق مثل الصالحة، بل بدأت مرحلة جديدة من المعاناة، عنوانها غياب الدولة، وندرة الخدمات، وتجاهل الجهات الرسمية لأبسط احتياجات المواطنين العائدين، الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء. لا ماء، لا كهرباء، ولا حتى بارقة أمل.
الحكومة الولائية تبدو مشلولة أمام أزمة البنية التحتية المدمرة، فيما يسود العجز المؤسسات الرسمية كافة، وتتحول الأحياء إلى مراكز قاحلة تحرسها الظلال، وتملأها رائحة الرماد. التحدي الأمني لا يقل وطأة عن تحدي الخدمات، إذ تنتشر عصابات النهب، ويحمل السلاح كل من هبّ ودبّ، في غياب واضح لهيبة الدولة، بينما تنشط خلايا الميليشيا مجددًا في أطراف المدينة.
رغم التوجيهات العليا بالعودة التدريجية، فإن كبار المسؤولين لا يزالون في بورتسودان، في وقت يضرب فيه الفريق محمد الغالي وحده مثالًا في الالتزام الوطني، بزيارته إلى الخرطوم لتفقد القصر الجمهوري. ومن ناحية أخرى، تتنامى الدعوات إلى تولي قادة ميدانيين حقيقيين مثل كباشي والعطا مهام تحرير كردفان بالكامل، خاصة بعد التمدد الأخير للميليشيا جنوب الأبيض.
الواقع يُظهر أن ضعف الإدارة المحلية، وتسلل عناصر معادية داخل المؤسسات، جعل الأبيض مهددة بالسقوط في أي لحظة. ويؤكد سياسيون ومواطنون أن تغيير الوالي الحالي وتعيين شخصية ميدانية ذات قبول شعبي مثل عبدالله محمد علي بلال قد يغيّر المعادلة لصالح الدولة.
في شمال الدلنج، لا تزال الذكرى الأليمة لمجزرة الثامن والعشرين من يونيو حاضرة في ذاكرة الأهالي، حين قُتل الشيوخ والأبرياء على يد ميليشيا لا ترحم. أما بارا، فقد تحولت إلى مدينة محتلة، وصارت البيوت مأوى للغرباء، فيما تشرد أهلها في أصقاع البلاد. وحتى الآن، لم تنهض المقاومة الشعبية هناك، ويبدو أن غياب القيادة السياسية والعسكرية القادرة على الحسم ترك فراغًا قاتلًا استغلته الميليشيا جيدًا.
الأمل لا يزال معقودًا على تنسيق جاد، وانتقال القيادة إلى الميدان، وكسر الجمود الحكومي في اتخاذ قرارات شجاعة وحاسمة. فالمعركة اليوم لم تعد عسكرية فحسب، بل هي معركة إرادة وكرامة، وتحديد مصير أمة برمتها. وعلى الحكومة أن تحسم خياراتها سريعًا، فإما الوقوف في صف الشعب، أو تركه وحيدًا في مواجهة موت متعدد الأوجه.