
الخرطوم : شاهد مظاهر انتعاش الحياة بعد عامين من الحرب
الخرطوم – 16 يونيو 2025 – الهدهد نيوز _ تشهد العاصمة السودانية الخرطوم هذه الأيام مؤشرات قوية لعودة الحياة إلى طبيعتها، بعد عامين من الدمار والتهجير القسري الذي تسببت فيه الحرب التي أشعلتها مليشيا الدعم السريع. وقد بدأت طلائع المواطنين في العودة إلى ديارهم ومشاركة أهلهم مناسبات الأعياد، وعلى رأسها عيد الأضحى المبارك، في مشهد يعكس التعافي المجتمعي والسكاني، ويدلل على استعادة العاصمة لعافيتها بعد الانتصارات الميدانية التي حققتها القوات المسلحة وتطهيرها لكافة محليات الخرطوم من المليشيا المتمردة.
هذا التحول اللافت تزامن مع إعلان رئيس الوزراء د. كامل إدريس عن بدء الانتقال التدريجي لمؤسسات الدولة إلى الخرطوم، في إطار خطة استراتيجية قومية تستهدف تعزيز الحوكمة وتفعيل دور الخرطوم كعاصمة إدارية وسياسية متكاملة. الخطوة نُظر إليها من قبل الشارع السوداني بأنها انتصار حقيقي وإشارة واضحة على نهاية مرحلة صعبة من تاريخ السودان الحديث، حيث عبّر المواطنون عن ارتياحهم الكبير لهذا القرار، باعتباره بداية جدية نحو الاستقرار وإعادة الإعمار.
ولم تكن البعثات الدبلوماسية بعيدة عن هذا التغيير، فقد عادت عدد من السفارات إلى الخرطوم، وعلى رأسها سفارتا المملكة العربية السعودية وقطر، بعد أن تأكدت من استقرار الأوضاع الأمنية، ورفعت أعلامها إيذانًا بعودة نشاطها الرسمي من العاصمة، وهو ما اعتُبر دليلاً إضافيًا على عودة الثقة الدولية في استقرار الخرطوم. ويرى الخبير الإعلامي لؤي عبد الرحمن، رئيس تحرير موقع “قلب أفريقيا”، أن هذه التطورات المتسارعة تؤكد جدية الحكومة في بناء الثقة والبدء الفعلي في عملية التعافي الوطني، مشيرًا إلى أن تحرك مؤسسات الدولة إلى مواقعها الأصلية يعزز الثقة الشعبية، ويحفز بقية المواطنين على العودة والمشاركة في إعادة بناء ما دمرته الحرب.
وبينما تتواصل خطوات الحكومة المركزية نحو الخرطوم، بادر عدد من المواطنين بدعم تلك الجهود بوسائل شخصية، من بينهم الكابتن ناصر الشيخ المعروف بـ “المانجيل”، والذي أعلن عن تبرعه بمنزله المكوّن من خمسة طوابق ويضم 25 غرفة مجهزة بالكامل، لصالح رئيس الوزراء أو أي مؤسسة حكومية ترغب في استخدامه لمدة عام مجانًا. ووجدت هذه الخطوة استحسانًا كبيرًا في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها كثيرون مثالًا حيًا على المشاركة المجتمعية الحقيقية في دعم الدولة، وتعبيرًا عن الإيمان الجماعي بضرورة المساهمة في عملية إعادة الإعمار.
وعلى صعيد العمل الرسمي، كانت محلية الخرطوم أولى المحليات التي بادرت بقطع الإجازة المفتوحة التي فُرضت بسبب الحرب، حيث باشر العاملون مهامهم في رئاسة المحلية والوحدات الإدارية منذ صباح الأحد، في مشهد يعكس روح المسؤولية والإصرار على استعادة النظام الإداري والخدمي. وأكد المدير التنفيذي للمحلية، عبد المنعم البشير، خلال مخاطبته العاملين، أن الخرطوم تستعد للعودة لسيرتها الأولى، مركزًا على أن الجهود خلال الفترة السابقة شملت إزالة مخلفات الحرب والتعاقد مع خمس شركات نظافة لتأهيل الطرق الرئيسية، إضافة إلى إعادة تشغيل محطات المياه النيلية وأكثر من 98 بئرًا بالطاقة الشمسية.
وأشار البشير إلى أن خدمات التعليم والصحة عادت مباشرة عقب التحرير، حيث انعقدت امتحانات الشهادتين الابتدائية والمتوسطة في عدد من المدارس، كما باشرت المراكز الصحية تقديم خدماتها في عدد من الأحياء. لكنه لم يُخفِ حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية والخدمات الأساسية، لا سيما في الكهرباء والمياه، مطالبًا العاملين بمضاعفة الجهود وتعويض ما فات، داعيًا إلى استعادة دولاب العمل كما كان عليه قبل اندلاع الحرب في أبريل 2023.
ما يجري اليوم في الخرطوم لا يُعد مجرد عودة إدارية أو رمزية، بل هو بداية حقيقية لانبعاث العاصمة من تحت أنقاض الحرب، وتأكيد عملي على أن السودان، رغم الجراح، ماضٍ في طريقه لاستعادة دولته وإعادة بناء مؤسساته ومجتمعه.