
الفاشر تشهد معارك عنيفة
متابعات _ الهدهد نيوز _ شهدت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، صباح الأحد الخامس عشر من يونيو 2025، يوماً دامياً إثر تصدٍ هو الأعنف من نوعه بين الجيش السوداني والقوة المشتركة من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، في معركة باتت تعكس مدى تعقيد الحرب المتصاعدة في الإقليم الذي بات مسرحاً لأكثر المعارك دموية منذ اندلاع النزاع.
وقالت مصادر محلية وعسكرية مطلعة في تصريحات خاصة، إن قوات الدعم السريع شنت هجوماً واسعاً على المدينة من محورين رئيسيين، أحدهما من الاتجاه الشرقي، والآخر من الناحية الشمالية الشرقية، في محاولة جديدة للسيطرة على الفاشر التي تُعتبر آخر المعاقل السيادية الرسمية للحكومة في دارفور. وأشارت المصادر إلى أن الهجوم بدأ منذ الساعات الأولى من الفجر، مترافقاً مع قصف مدفعي كثيف وتحليق مكثف للطيران المسيّر التابع للدعم السريع، واستهدف بشكل مباشر مواقع عسكرية ومناطق مدنية حساسة.
المعارك التي دارت رحاها بين الطرفين تطايرت شظاياها إلى قلب المدينة، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة حول سوق الفاشر الكبير، وامتدت إلى محيط مخيم أبو شوك، الواقع في الجهة الشمالية من المدينة. وأكد المتحدث الرسمي باسم القوة المشتركة، أحمد حسين مصطفى، في بيان صادر عنه، أن الجيش وقوات الحركات المسلحة المتحالفة معه تمكنوا من صد الهجوم وتكبيد المهاجمين خسائر فادحة في الأرواح والعتاد. وذكر أن القوات المدافعة عن المدينة تمكنت من تدمير ست مدرعات من طراز “صرصر” إماراتية الصنع بكامل أطقمها، إضافة إلى تدمير عشر سيارات قتالية، وتحييد عشرات المقاتلين من الدعم السريع، بين قتيل وجريح ومفقود.
وجاء في البيان الصادر عن القوة المشتركة تأكيد على عزمهم القتال حتى النهاية، حيث قال المتحدث: “نوجّه رسالتنا إلى مليشيا الدعم السريع ومن يساندها بأن الفاشر لن تسقط، ولن يُركَع شعبنا، وسنواصل الدفاع عن أرضنا وعرضنا حتى يتحقق النصر النهائي”. هذه الكلمات جاءت بمثابة إعلان معنوي قوي، وسط محاولات مستمرة من قوات الدعم السريع لاختراق دفاعات المدينة وتغيير المعادلة العسكرية في الإقليم المضطرب.
وتشهد الفاشر منذ بداية العام الحالي وضعاً إنسانياً متفاقماً بسبب الحصار الذي تفرضه قوات الدعم السريع على المدينة، ما أدى إلى شلل كامل في حركة الإمدادات الغذائية والطبية. ومع استمرار انقطاع المساعدات، بدأت تظهر ملامح الكارثة، حيث سجلت منظمات إنسانية محلية حالات وفاة متكررة وسط الأطفال والنساء وكبار السن، نتيجة الجوع ونقص الدواء. وتفيد تقارير محلية بأن المجاعة أصبحت واقعية، فيما يضطر المواطنون إلى الاعتماد على مصادر غذائية شحيحة وغير كافية للبقاء.
وفي سياق متصل، كشفت مصادر ميدانية أن القصف الذي سبق الهجوم البري استهدف عدة مواقع حيوية داخل المدينة، من بينها مقر قيادة الفرقة السادسة مشاة الواقع غرب الفاشر، ومحيط جامعة الفاشر، إلى جانب مخيم أبو شوك، ومقر بعثة “يوناميد” الأممية سابقاً، الذي أصبح مقراً للقوة المشتركة. ويُعتقد أن الدعم السريع كان يهدف إلى شل حركة القيادة الميدانية لقوات الجيش في المدينة، ما يعكس تغيراً في تكتيكاتها العسكرية مقارنة بهجمات سابقة، ويشير إلى رغبة متزايدة في السيطرة الكاملة على المدينة.
وتُعد الفاشر، بموقعها الجغرافي وأهميتها التاريخية والسياسية، هدفاً استراتيجياً لقوات الدعم السريع التي تسعى لبسط هيمنتها على كامل دارفور. إلا أن صمود الجيش والقوات الحليفة حتى اللحظة يمنع حدوث هذا التحول، رغم ضراوة المعارك. ويبدو أن الأيام المقبلة ستحمل مزيداً من المواجهات المحتدمة في ظل غياب أي أفق سياسي للحل، وتزايد المؤشرات على تصاعد وتيرة الحرب.
يُذكر أن سكان المدينة يعيشون تحت ظروف إنسانية قاسية، حيث لا تتوفر مياه الشرب النقية، وانعدمت الكهرباء والاتصالات بشكل شبه كامل، فيما توقفت معظم المؤسسات الحكومية والخدمية عن العمل، ما جعل الحياة اليومية أشبه بكابوس لا ينتهي. وتؤكد الشهادات الواردة من داخل المدينة أن الروح المعنوية للسكان لا تزال مرتفعة رغم المعاناة، إذ ينخرط العديد من الشباب في دعم الجيش والقوة المشتركة عبر مختلف الوسائل المتاحة، وسط نداءات متكررة إلى المجتمع الدولي للتدخل العاجل من أجل كسر الحصار وتقديم المساعدات.
وتستمر المعركة حول الفاشر كرمز لمستقبل دارفور، حيث يرى مراقبون أن من يسيطر على المدينة ستكون له اليد الطولى في تحديد مسار الأحداث في الإقليم وربما في السودان بأكمله. وبينما تتصاعد أصوات الانفجارات في محيط المدينة، يتشبث المدافعون بأمل الانتصار، في وقت لا تزال فيه المعاناة الإنسانية تصرخ في وجه العالم بحثاً عن حل قبل فوات الأوان.