
تحذير رسمي من وزير العدل السوداني الأسبق
متابعات _ الهدهد نيوز _ حذر وزير العدل السوداني الأسبق، محمد أحمد سالم، من قرار النيابة العامة القاضي بفرض رسوم مالية على المواطنين عند فتح البلاغات الجنائية، مشيراً إلى أن هذا الإجراء يُعد خرقاً واضحاً لنصوص الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لعام 2019، وما يعادلها من أحكام دستورية في المراحل الانتقالية اللاحقة. وأكد سالم أن هذا النوع من القرارات الإدارية يتناقض مع عدد من المبادئ الدستورية الجوهرية التي تكفل الحقوق القانونية للمواطنين دون تمييز، وعلى رأسها الحق في الوصول إلى العدالة، والمساواة أمام القانون، والحق في التقاضي.
وأوضح أن قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 وتعديلاته لم يتضمن أي نص قانوني يُجيز للنيابة العامة فرض رسوم مالية على من يتقدمون بفتح بلاغات جنائية، وهو ما يشير إلى أن هذا القرار الإداري لا يستند إلى أي غطاء قانوني، ويُعد ابتداعاً يتعارض مع القواعد القانونية المستقرة في النظام العدلي السوداني. وأضاف أن تحريك الدعوى الجنائية يُعد من المهام الجوهرية للنيابة العامة، التي تعمل باسم المجتمع لحماية الحق العام، وبالتالي لا ينبغي تحميل مقدم البلاغ أي أعباء مالية نظير أدائه لدور يعتبر امتداداً لمصلحة المجتمع ككل.
وأشار الوزير الأسبق إلى أن فرض مثل هذه الرسوم يمثل انحرافاً خطيراً في فلسفة النيابة العامة، ويحولها من جهة عدلية تسعى لحماية الحقوق إلى مؤسسة ذات طابع جبايتي، مما قد يُضعف ثقة المواطنين بها ويجعل من العدالة حقاً مشروطاً بالقدرة المالية، وهو أمر يتعارض تماماً مع روح القانون والدستور. كما نبه إلى أن مثل هذا الإجراء قد يفتح الباب أمام ممارسات تمييزية، حيث يصبح بإمكان من يمتلكون الوسائل المادية فقط الوصول إلى العدالة، في حين يُمنع المواطنون من الفئات الضعيفة اقتصادياً من المطالبة بحقوقهم أو الإبلاغ عن الجرائم التي تعرضوا لها.
وفي ذات السياق، شدد سالم على أن أي منشور إداري أو لائحة تنظيمية تصدرها النيابة العامة وتتنافى مع الدستور تُعد باطلة ولا يُعتد بها قانوناً، مشيراً إلى أن محاولات تبرير فرض الرسوم بدوافع الإصلاح المالي أو تحسين الموارد المؤسسية لا تُبرر المساس بحقوق المواطنين الأساسية، ولا يمكن أن تُبرئ ذمة الجهات التي تقر مثل هذه السياسات. وأضاف أن القواعد الدستورية لا تقبل التجاوز، حتى في ظل التحديات الاقتصادية أو الإدارية التي تواجه مؤسسات الدولة.
وختم سالم حديثه بالتأكيد على أن من واجب الدولة، بموجب التزاماتها القانونية والدستورية، ضمان تمكين المواطنين من الوصول إلى العدالة دون أية عوائق مالية أو إجرائية، خاصة في ما يتعلق بالجرائم الخطيرة مثل القتل، والاغتصاب، والنهب. وأوضح أن تحميل الضحايا أعباء مالية من أجل تحريك دعوى جنائية يُعد تراجعاً خطيراً في مبدأ سيادة القانون، ويجب التراجع عنه فوراً للحفاظ على مصداقية النيابة العامة، واحترام القيم والمبادئ التي قام عليها النظام العدلي في السودان.