
تحقيق بريطاني في السودان
لندن – الهدهد نيوز _ تصاعدت وتيرة الدعوات الحقوقية والمجتمعية في المملكة المتحدة للتحقيق في مزاعم خطيرة تتعلق بارتكاب قوات الدعم السريع السودانية لانتهاكات جسيمة ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، قد تصل إلى حد الإبادة الجماعية، وذلك بعد تسليم ملف قانوني مفصّل إلى شرطة العاصمة البريطانية “سكوتلاند يارد” يوم الثلاثاء الماضي.
وبحسب ما نقلته منصة “أفريكا ريبورت”، فإن الملف المقدم إلى وحدة جرائم الحرب التابعة لقيادة مكافحة الإرهاب في شرطة لندن، يتألف من 142 صفحة توثق سلسلة من الانتهاكات التي يُزعم أن قوات الدعم السريع، بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، ارتكبتها منذ اندلاع النزاع المسلح في السودان في أبريل 2023.
الملف، الذي أعدته مجموعة من المحامين الدوليين، يستند إلى شهادات ومواد أدلة وصفها القاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية، السير هوارد موريسون، بأنها “مقنعة”، ويطالب بالتحقيق مع قادة الدعم السريع بموجب مبدأ “الولاية القضائية العالمية”، الذي يمنح الدول الحق في ملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية الكبرى، مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، حتى لو ارتُكبت خارج أراضيها.
وأكد الموقعون على الرسالة المرفقة مع الملف – وعددهم يزيد عن 100 شخصية ومنظمة، من ضمنهم محامون وصحفيون وأطباء وناشطون حقوقيون وأفراد من الشتات السوداني – أن هذه المبادرة تمثل محاولة جادة لوضع حد لحالة الإفلات من العقاب التي تحيط بأعمال العنف والانتهاكات المستمرة، خصوصًا في إقليم دارفور والعاصمة الخرطوم.
وتتضمن الوثائق المرفقة بالطلب أدلة تُوصف بـ”الصادمة”، توثق ارتكاب مجازر ضد المدنيين، وعمليات قتل على أساس عرقي، واستهداف منظم لمجموعات غير عربية، إلى جانب أعمال عنف جنسي مروعة شملت الاغتصاب الجماعي والعبودية الجنسية، وتجنيد الأطفال، ونهب المساعدات الإنسانية، وتدمير الإمدادات الغذائية، واستخدام التجويع والحصار كسلاح ضد السكان.
كما أشار الملف إلى ما وصفه بـ”التواطؤ الدولي”، حيث يُعتقد أن جهات أجنبية قدّمت دعماً مادياً أو لوجستياً أو سياسياً لقوات الدعم السريع، رغم التقارير المتكررة عن تلك الانتهاكات الجسيمة.
ويقول الناشطون إن تقديم هذا الملف إلى السلطات البريطانية يمثل اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام المملكة المتحدة بالعدالة الدولية وحقوق الإنسان، خاصة أنها تحتضن جالية سودانية كبيرة تضم العديد من الناجين من الحرب الحالية والفظائع السابقة في دارفور، بعضهم قدم شهادات أو أدلة مباشرة في هذا الملف.
وحذر عدد من الحقوقيين من أن بعض قادة الدعم السريع أو شركائهم قد يحاولون دخول الأراضي البريطانية أو الأوروبية إذا لم يُتخذ أي إجراء قانوني، ما يهدد بجعل هذه الدول ملاذًا آمنًا للمتهمين بارتكاب جرائم حرب.
وأوضح المحامون المشاركون في إعداد الملف أن تحريك دعوى قضائية أو فتح تحقيق رسمي في بريطانيا قد يشكل سابقة قانونية دولية، ويؤدي إلى ضغوط دبلوماسية أكبر على دول ومنظمات أخرى لمتابعة نفس النهج في محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في السودان.
ويعتبر مراقبون أن هذه المبادرة قد تكون أخطر تحدٍ قانوني يواجه قوات الدعم السريع على المستوى الدولي، خصوصًا إذا تبعتها خطوات ملموسة من قبل المملكة المتحدة لمشاركة الأدلة مع المحكمة الجنائية الدولية، أو فرض عقوبات مباشرة على المتهمين، أو إصدار مذكرات توقيف بحقهم.
وأكد الموقعون في ختام رسالتهم أن العدالة لا يجب أن تبقى حبيسة الأدراج، مشددين على أن “العالم لا يستطيع أن يغمض عينيه مرة أخرى”، في إشارة إلى فشل المجتمع الدولي في وقف المجازر والانتهاكات التي حدثت في دارفور مطلع الألفية.