
من السودان إلى مصر.. حكايات لجوء، وأمل، وعبور تحت ظلال الأهرامات
منوعات – الهدهد نيوز
مع استمرار الحرب الطاحنة في السودان، التي دفعت الملايين إلى النزوح واللجوء، برزت مصر كوجهة رئيسية وآمنة للسودانيين الفارّين من جحيم المعارك. وبين الزحام اليومي في شوارع القاهرة، وصوت الأذان في الحسين، وضجيج الحياة في العتبة ورمسيس، تتناثر قصص عشرات الآلاف من السودانيين الذين يحاولون إعادة بناء حياتهم وسط وطن ثانٍ احتضنهم، لكنّه لا يخلو من التحديات.
السودانيون في مصر.. جالية تتنفس الحياة
بحسب تقديرات غير رسمية، يتجاوز عدد السودانيين المقيمين في مصر حاليًا المليون شخص، موزعين بين القاهرة والجيزة والإسكندرية وأسيوط ومدن أخرى. يعيشون بين زحام العيش وضيق الحال، لكنهم يجدون في مصر ما لم يجدوه في وطن مزقته الحرب: الأمان، وبعض الاستقرار.
في أحياء مثل فيصل، والهرم، وعين شمس، تنتشر المطاعم السودانية التي تعيد نكهة “الكمونية” و”التقلية” و”الكسرة” إلى موائد اللاجئين، بينما بات شارع “المنيب” نقطة تجمع يومية للباحثين عن عمل أو عن جلسة سمر باللهجة النوبية.
التعليم والفرص.. بين الحلم والواقع
فتحت الجامعات المصرية أبوابها لعشرات الآلاف من الطلاب السودانيين، في مبادرات تضامن إنساني لا تُنسى. في جامعة القاهرة، وعين شمس، والأزهر، تسير شابات سودانيات محجبات تحت ظلال التاريخ، وهن يحملن كتب الطب والهندسة والحقوق، مؤمنات أن العلم هو طريق الخلاص من الحرب والمآسي.
لكن التحديات كثيرة، فالإقامات، ومصاريف التعليم، والتضخم، كلّها عقبات ثقيلة على كاهل عائلات لجأت بلا مال ولا وثائق أحيانًا.
بين الأهرامات والنيل.. متنفس روحي
لم تكن معالم مصر السياحية يومًا بعيدة عن السودانيين، بل أصبحت اليوم محطات نفسية ضرورية للهاربين من الجراح. الأهرامات بالجيزة أصبحت وجهة أسبوعية للبعض، ليس فقط لإبهار الحضارة، بل للهرب من الحزن.
وفي شارع المعز وخان الخليلي، يمكنك أن تصادف سودانيين يبيعون المشغولات اليدوية، أو يجلسون على مقاهٍ يتبادلون الأخبار من الخرطوم والفاشر وكوستي، بينما يمر الزمن في حضرة التاريخ.
الفن السوداني يطل من نوافذ القاهرة
مع قدوم الحرب، لجأ العديد من الفنانين والموسيقيين إلى مصر، حاملين معهم إيقاعات الطمبور والمردوم، ليُعيدوا إحياء حفلاتهم في مقاهي الزمالك ومراكز الثقافة بالتحرير والمعادي. ومن بين الأسماء البارزة، برزت عروض للفنانين الشباب في مهرجانات الثقافة السودانية بالقاهرة، التي باتت تلقى رواجًا بين المصريين والسودانيين على حد سواء.
عودة مرتقبة.. وأمل لا يموت
رغم الاستقرار النسبي، لا يخفي كثير من السودانيين حنينهم للعودة، ولو إلى ركام المنازل في بحري، أو تراب الوطن في كادوقلي. فمصر كانت الحضن، لكنها ليست البديل، بل محطة انتظار لحلم أكبر: السلام في السودان.
قصة مشتركة بين ضفاف النيل
في كل زاوية من زوايا القاهرة، تكتب الجالية السودانية فصلاً جديدًا من تاريخ العلاقة العميقة بين البلدين. من الصداقة الشعبية إلى الروابط الثقافية والدينية والإنسانية، تظل العلاقة بين مصر والسودان عصيّة على الكسر، حتى في زمن الحرب.
ففي ظل الخراب، يبزغ الأمل من قلب الجالية، ومن أعمدة معبد الكرنك، ومن مياه النيل التي تربط الشعبين منذ آلاف السنين.