
الخرطوم.. مشاهدات من العاصمة القومية
رصد _ الهدهد نيوز _ بدأت العاصمة السودانية الخرطوم تستعيد عافيتها تدريجياً بعد عمليات التحرير التي أنهت سيطرة مليشيا الدعم السريع على مناطق واسعة من المدينة، ومع كل يوم يمضي، تتبدد مخاوف الزائرين، وتزداد مؤشرات العودة إلى الحياة الطبيعية في عدد من الأحياء.
وشهدت زيارة الصحفي جاد الرب عبيد الثانية إلى الخرطوم تغيراً واضحاً في الأجواء العامة مقارنة بزيارته الأولى عقب التحرير. ففي وقتٍ ساد فيه التوجس والحذر أجواء الزيارة السابقة، فإن مشاعر الارتياح والطمأنينة كانت هي الطاغية هذه المرة، نتيجة تحسن الأوضاع الأمنية وانتشار القوات النظامية، خاصة أفراد الشرطة، في الطرقات والأحياء.
ورصدت المشاهدات الميدانية تحسناً كبيراً في الأوضاع الخدمية والمعيشية في عدد من المناطق، أبرزها شارع الوادي، الثورات، الإسكانات، الكدرو، الدروشاب، السامراب، الشجرة، الكلاكلة اللفة، الأندلس مربع ٣، وأجزاء من الحاج يوسف، وهي مناطق بدت أكثر استقراراً مما كانت عليه حتى قبل الحرب.
أما الأسواق، فقد عادت إليها الحركة التجارية بصورة طبيعية، بل بدا أن الأسعار في الخرطوم أصبحت في بعض الجوانب أقل من مثيلاتها في الولايات، خاصة فيما يتعلق بأسعار الخبز والمواد الغذائية، مما يشير إلى بدء تعافي سلاسل الإمداد المحلي داخل العاصمة.
ومن أبرز المشاهد اللافتة بحسب التقرير، ذلك التكاتف المجتمعي الواسع بين سكان الأحياء، حيث بادرت مجموعات محلية إلى تشكيل لجان تطوعية تهتم بالنظافة، تأمين الأحياء، وإعادة الخدمات الأساسية، وهي خطوات ساهمت بشكل كبير في خلق بيئة مشجعة لعودة النازحين إلى منازلهم.
كما برزت ملامح “الريف في المدينة”، نتيجة عودة أعداد كبيرة من المواطنين من الولايات إلى أحيائهم السابقة، وهو ما انعكس على طبيعة العلاقات الاجتماعية، التي اتسمت بالمودة والبساطة والتعاون، سواء في الأسواق أو بين الجيران.
وبالرغم من الجهود المبذولة من قبل السلطات لجمع السيارات المنهوبة والمعطلة في الساحات العامة، إلا أن المشاهدات كشفت عن استمرار وجود أعداد كبيرة من السيارات المتروكة في أطراف الشوارع وبعض الأحياء، وهو ما يشوه المشهد العام ويعيق حركة المواطنين.
ورغم الانتشار الكثيف لشرطة المرور، إلا أن الكاتب نبه إلى ضرورة مراعاة ظروف العائدين، والابتعاد عن فرض المخالفات والرسوم في هذه الفترة الانتقالية، مع التركيز على فحص ملكية السيارات لتفادي عمليات التزوير أو نقل الملكية غير القانوني.
وأشار التقرير إلى تحسن ملحوظ في إمدادات الكهرباء والمياه بعد عودة الخدمة في العديد من المناطق، دون تسجيل قطوعات إلا في حالات الأعطال، الأمر الذي يشجع المزيد من السكان على العودة.
إلا أن العقبة الأكبر أمام عودة النازحين، بحسب التقرير، لا تزال غياب مصدر الدخل. فمع استمرار إغلاق مؤسسات الدولة، وغياب أصحاب الأعمال من القطاع الخاص الذين لم يعودوا بعد لمباشرة أنشطتهم، يجد الكثير من المواطنين صعوبة في اتخاذ قرار العودة دون ضمان مصدر رزق مستقر.
ويصف الكاتب وسط الخرطوم بأنه لا يزال شبه خاوٍ، خاصة في الشوارع الرئيسية مثل الجمهورية، المك نمر، الجامعة، البلدية، والسيد عبد الرحمن، حيث تكاد الحياة تنعدم باستثناء مرور القلة من العابرين.
وفي الجانب الإداري، تُظهر السلطات حزماً شديداً في التعامل مع تحركات الممتلكات داخل المدينة. فكل عملية نقل تتطلب تصديقاً رسمياً من النيابة، حتى في أبسط الحالات كإرسال أبواب للصيانة لمسافة لا تتجاوز عدة كيلومترات، كما أن نقل المركبات الخاصة يخضع لنفس الإجراءات الأمنية المشددة.
ورصد التقرير كذلك بدء تطبيق قرار إخلاء العاصمة من الوحدات العسكرية، حيث لوحظ انحسار ظاهر في المظاهر المسلحة والارتكازات العسكرية، وهو ما انعكس إيجاباً على المشهد العام للمدينة.
كما أشاد الزائرون والعابرون بجهود عمال النظافة، الذين يواصلون أعمالهم بهمة عالية رغم قلة الإمكانيات، بهدف إعادة العاصمة إلى وجهها الحضاري المعروف.
تظل الخرطوم في مرحلة ما بعد الحرب مدينة تتشكل من جديد، بين مشاهد الدمار الباقية في أطراف الطرقات، وأمل يتجدد في وجوه العائدين، بينما تترقب آلاف الأسر ساعة العودة، مترقبةً أن تفتح أبواب المؤسسات أبوابها من جديد، ويُعاد نبض الحياة إلى قلب العاصمة.
