حياة على حافة الفقد: تعرف علي صراع السودانيين من أجل البقاء في ظل الحرب
الهدهد نيوز
رصد _ الهدهد نيوز _ أدى الصراع المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الذي اندلع قبل نحو عامين، إلى تغييرات جذرية في حياة العديد من المواطنين، ومن بينهم مصطفى حسين. فقد اضطر حسين، الذي كان يعمل في وكالة السودان للأنباء، إلى البحث عن مصادر دخل بديلة بعد توقف صرف الرواتب إثر اندلاع القتال في منتصف أبريل 2023. دفعه هذا الوضع إلى اتخاذ خطوات جذرية لتأمين لقمة العيش لعائلته، مما يعكس التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها الكثيرون في ظل الظروف الراهنة.
ومع استمرار النزاع المسلح الذي بدأ في العاصمة الخرطوم وانتشر إلى مناطق أخرى في غرب ووسط السودان، لجأ ملايين العمال والموظفين إلى مهن بديلة لتلبية احتياجاتهم اليومية. تحول العديد منهم إلى إصلاح الأحذية أو الزراعة، فيما أصبح آخرون يبيعون السلع في الشوارع بعد نزوحهم إلى مناطق أكثر أمانًا. هذه التحولات تبرز مرونة الشعب السوداني وقدرته على التكيف مع الأزمات رغم الصعوبات التي تواجهه في تأمين احتياجاته الأساسية.
بداية، لجأ مصطفى حسين إلى الزراعة كوسيلة لإعالة أسرته، لكن الظروف أجبرته على النزوح مرة أخرى من مدينة أم درمان إلى ولاية القضارف حيث بدأ مشروعًا جديدًا. لكن الحظ لم يكن في صفه، حيث واجه صعوبات بسبب استمرار المعارك في المنطقة. هذا الفشل يعكس التحديات المستمرة التي يواجهها النازحون، حيث تتعطل سبل العيش وتزداد الأعباء الاقتصادية بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة.
قال حسين، 37 عامًا، وهو متزوج وأب لطفلة، في تصريحاته لـ”الشرق”: “توقف العمل في المؤسسة التي كنت أعمل بها مع بداية الحرب، ولم نتلقَ رواتبنا إلا بعد شهرين، وتم تقليصها بنسبة 60%. الرواتب قبل الحرب كانت بالكاد تكفي لتلبية النفقات الشهرية، لذا كان لا بد من البحث عن بديل.” وأضاف: “عندما وصلت إلى مدينة الفاو في ولاية القضارف، فكرت في تجربة الزراعة، نظرًا لأن المنطقة معروفة بذلك، حيث يوجد مشروع زراعي كبير هو مشروع الرهد. بدأنا في استئجار 20 فدانًا وشرعنا في زراعتها خلال الموسم الشتوي الماضي.”
واجه حسين العديد من التحديات أثناء تنفيذ المشروع، لكنه تمكن من التغلب عليها بمساعدة شركائه، بعضهم كانوا من أهل المنطقة الذين يعرفون تفاصيل الزراعة. إلا أن الظروف الأمنية سرعان ما أدت إلى فشل المشروع، حيث قامت السلطات المحلية بإغلاق وسائل الري بعد دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة ود مدني، مما حول المياه إلى مشروع الرهد الزراعي بهدف إنشاء مصدات مائية على قنوات الري لوقف توسع قوات الدعم السريع نحو ولاية القضارف.
قال حسين: “أدى هذا إلى نقص المياه في مشروعنا، مما زاد من تكاليف المشروع. اضطررنا لاستقدام مضخات لسحب المياه المتبقية، لكن عندما نفدت المياه، جفت الزراعة وتوفي المحصول، مما تسبب في خسارتنا الكاملة.”
دفعته هذه التجربة إلى النزوح مجددًا إلى ولاية النيل الأبيض في الجنوب، حيث بدأ مشروعًا جديدًا بفتح مطعم صغير يقدم وجبة (البوش) مع شريك آخر من القطاع الحكومي. ومع ذلك، سرعان ما تأثرت أعماله بتقدم قوات الدعم السريع وسيطرتها على طريق جبل مويا القومي، مما أدى إلى حصار ولاية النيل الأبيض ورفع أسعار السلع بنسبة 100%، ما أثر سلبًا على المشروع.
أما محمد أبكر، طالب الثانوية الذي فقد راتبه منذ عامين، فقد اضطر للعمل بائعًا للعطور في سوق القش غرب مدينة أم درمان بعد توقف المدارس. قال أبكر في حديثه لـ”الشرق”: “لم نتمكن من استئناف الدراسة في مدرستنا، لذلك لم يكن أمامي خيار سوى البحث عن مصدر دخل لتوفير الطعام لأطفالي. عملت في عدة مهن شاقة، مثل بناء المنازل ونقل البضائع، حتى انتهى بي الحال ببيع العطور في السوق.”
أضاف أبكر أنه لا يستطيع تأمين لقمة العيش لأبنائه إلا بصعوبة، مشيرًا إلى تعرض المارة لعمليات نهب من قبل عناصر غير قانونية في المنطقة، مما يزيد من معاناته اليومية.
من جهة أخرى، أعلنت لجنة المعلمين السودانيين عن إضراب مفتوح في ولاية كسلا بسبب عدم صرف الرواتب، وهو ما دفعهم للمطالبة بتحقيق مطالبهم. وأوضح أحمد البدوي، المتحدث باسم تنسيقية المهنيين والنقابات، أن العديد من الموظفين بدأوا في العمل بمهن بديلة، مثل التجارة وقيادة المركبات.
وأشار البدوي إلى أن 67% من العاملين في القطاعين العام والخاص فقدوا وظائفهم بالكامل بسبب النزوح وتدمير مؤسساتهم، وأوضح أن 90% من العمال لا تكفي رواتبهم لتغطية احتياجات أسرهم. كما أضاف أن 35% من المشاركين في استطلاع رأي يعانون من أمراض مزمنة ولم يحصلوا على أي دعم طبي، فيما 90% من العمال في المهن غير المستقرة يعانون من تدهور أوضاعهم بسبب فقدان وظائفهم.