بعد الملء الرابع لسد النهضة.. ما مصير المفاوضات الثلاثية ؟
بعد الملء الرابع لسد النهضة.. ما مصير المفاوضات الثلاثية ؟
بينما من المنتظر أن تلتئم مفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا في أديس أبابا بشأن سد النهضة، استبق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في 10 سبتمبر/أيلول الجاري، تلك الجولة بإعلان إتمام الملء الرابع لخزان السد، واصفا إياه بـ”الملء الأخير”، مما آثار تكهنات.
أديس أبابا اعتبرت، على لسان مسؤولين، أن الملء الرابع أكد موقفها في عدم الإضرار بدولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، مشددة على أهمية السد لعملية التنمية في البلد الذي تجاوز عدد سكانه 116 مليون نسمة.
فيما قالت القاهرة، بحسب بيان للخارجية، إنه ملء “أحادي مخالف للقانون”، غير أنها عبَّرت عن آمال أن تشهد مفاوضات أديس أبابا المقبلة تحولا نحو تحقيق التوصل إلى اتفاق ثلاثي ملزم لملء وتشغيل السد، لاسيما في أوقات الجفاف.
ومقابل الانتقاد المصري، التزمت الخرطوم الصمت تجاه الملء الرابع للسد في ظل انشغالها بقتال متواصل بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي؛ ما خلَّف أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، وما يزيد عن 4 ملايين نازح ولاجئ داخل وخارج إحدى أفقر دول العالم، وفقا للأمم المتحدة.
وبحسب خبيرين، تحدثت إليهما الأناضول، فإنه إما أن تتوصل الدول الثلاث إلى حل وسط يقود إلى اتفاق عبر المفاوضات، أو العودة إلى نقطة الصفر مع إصرار إثيوبي مستمر على أن ملء السد لا يضر بأي طرف آخر، وبالتالي لا حاجة لاتفاق.
وفي 13 يوليو/ تموز الماضي، اتفق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وآبي أحمد، خلال لقاء في القاهرة، على بدء مفاوضات “عاجلة” بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد تنتهي خلال أربعة أشهر.
وتتمسك القاهرة والخرطوم، منذ نحو عقد، بالتوصل أولا إلى اتفاق ملزم مع أديس أبابا بشأن ملء وتشغيل السد، لضمان استمرار تدفق حصتيهما المائية من نهر النيل، وعدم تضرر منشآتهما المائية، بينما لا ترى إثيوبيا حاجة لاتفاق وتكرر أنها لا تستهدف الإضرار بمصر والسودان.
ملء مستمر و”فوائد كبيرة”
وزير المياه والطاقة الإثيوبي هبتامو إيتيفا قال، لمؤسسة “فانا” الإعلامية الإثيوبية (رسمية)، في 14 سبتمبر/ أيلول الجاري، إن كلمة “الأخير” في إعلان آبي أحمد “لا تعني توقف عمليات ملء السد، بل ستستمر عمليات الملء في السنوات المقبلة”.
وأوضح أن “المياه لم تمر عبر الممر الأوسط (من السد)، بل ستمر عبر المخارج السفلية، بما لا يسبب ضررا لدولتي المصب السودان ومصر”.
فيما قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية يليس عالم إن فائدة الانتهاء بنجاح من الجولة الرابعة والأخيرة من ملء السد تتمثل في “أعمال تكامل الطاقة التي تنفذها إثيوبيا مع الدول المجاورة، والتي ستعزز التكامل الاقتصادي، فضلا عن حماية الدول الواقعة على ضفاف النهر من الرواسب والفيضانات وضمان تدفق المياه بشكل منتظم”، وفقا لوكالة الأنباء الإثيوبية.
أما مستشار وزير المياه والطاقة الإثيوبي محمد العروسي فاعتبر أن “نجاح عملية الملء الرابع يعزز موقف إثيوبيا في المفاوضات المقبلة؛ فهو دليل واضح على أنها لا تسعى إلى التسبب بأي ضرر للأشقاء في مصر أو السودان”، بحسب الوكالة.
تحفظ وانفراجة مأمولة
وفي 10 سبتمبر/أيلول الجاري، أعلنت الخارجية المصرية أن “إتمام إثيوبيا عملية الملء الرابع لخزان سد النهضة يعد استمرارا في انتهاك إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان عام 2015”.
وهذا الإعلان ينص على ضرورة اتفاق الدول الثلاث على قواعد ملء وتشغيل السد قبل الشروع في عملية الملء، وفقا للخارجية.
واعتبرت أن “اتخاذ إثيوبيا لمثل تلك الإجراءات الأحادية يُعد تجاهلا لمصالح وحقوق دولتي المصب وأمنهما المائي الذي تكفله قواعد القانون الدولي”
كما رأت أن “هذا النهج الإثيوبي، وما ينتج عنه من آثار سلبية، يضع عبئا على مسار المفاوضات المستأنفة، والتي تم تحديد أربعة أشهر للانتهاء منها، والمعقود الأمل في أن تشهد جولتها القادمة في أديس أبابا انفراجة ملموسة وحقيقية على مسار التوصل إلى اتفاق”.
وفي 28 أغسطس/آب الماضي، انتهت جولة تفاوض في القاهرة “لم تشهد تغيرات ملموسة في مواقف الجانب الإثيوبي”، بحسب بيان لوزارة الري المصرية.
وسبق وأن رفضت مصر الملء المتكرر لسد النهضة في مراحله الثلاثة على مدار السنوات الثلاث الماضية.
اتفاق مستبعد
خيري عمر، الأكاديمي المصري المتخصص في الشأن الإفريقي، قال للأناضول إن الملء الإثيوبي الرابع للسد “لا يوحي بانفراجة”.
وأضاف: “سنعود لنقطة الصفر في المفاوضات استنادا لموقف إثيوبي لن يتغير وسيؤكد أن الملء المتكرر تم بلا ضرر، وبالتالي لا حاجة لاتفاق”.
عمر تابع: “طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق ينظم ملء وتشغيل السد، فكل هذه الأعمال لا تكتسب الحجة القانونية وتعتبر أعمالا غير مشروعة، وعلى هذا الأساس لا تعترف مصر بما تم من الملء المتكرر وهذا من الشق القانوني”.
واستطرد: “أما من الناحية السياسية فإن وصول التخزين إلى مستويات أقل من المستهدف وعلى مدى 7 أو 8 سنوات يتفق تماما مع المقترح المصري السابق بإطالة فترة التخزين لسبع سنوات وليس 3 سنوات”.
ومضى قائلا إن “هدف مصر من التفاوض تحقق، وهذه نتيجة مرضية من الناحية السياسية في ظل عدم وضوح المسار القانوني حتى الآن”.
وعلى الصعيد الفني، قال عمر إن “توقف الملء الحالي عند مستوى متوسط من أهداف إثيوبيا وتوليد كهرباء أقل من المستهدف يشيران إلى أمر مهم، وهو أن القدرات الإدارية والفنية الإثيوبية غير كافية لإدارة مشروع بهذا الحجم”.
استثمارات السد
فيما توقع محمد حافظ، وهو أكاديمي مصري متخصص في هندسة السدود، في حديث مع الأناضول أن تكون إثيوبيا حريصة حاليا على إتمام مفاوضات السد، خاصة وهي تسعى إلى تسويق استثمارات مرتبطة به.
حافظ أوضح أنه “لن يأتي مستثمر للاستثمار في منطقة السد بينما توجد أزمات لإثيوبيا مع مصر.. قد يتم تأجيل المفاوضات في إطار ضغوط متبادلة، ولكن في النهاية ستتم وستصل إلى حل وسط”.
ومن المقرر أن تستضيف أديس أبابا جولة التفاوض المقبلة في سبتمبر/ أيلول الجاري، بحسب ما أعلنته الخارجية الإثيوبية في 28 أغسطس/آب الماضي من دون تحديد موعد معين.