إيجارات المنازل تتضاعف..بورتسودان “مرفأ الحرب” الآمن يشتعل بالغلاء واليأس
إيجارات المنازل تتضاعف..بورتسودان “مرفأ الحرب” الآمن يشتعل بالغلاء واليأس
بورتسودان “مرفأ الحرب” الآمن يشتعل بالغلاء واليأس
إيجارات المنازل تتضاعف مع تزايد أعداد النازحين وكثيرون يعدون المدينة محطة موقتة للرحيل الدائم
تعد مدينة بورتسودان من مدن السودان العريقة ذات النشأة التاريخية والأهمية التجارية، مما جعلها عاصمة إدارية بديلة للخرطوم في ظل استمرار لهيب المعارك المحتدمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي.
وبورتسودان مدينة ساحلية تقع شرق السودان على الشاطئ الغربي للبحر الأحمر، وهي عاصمة ولاية البحر الأحمر وبها أكبر ميناء بحري، ويطلق عليها عديد من التسميات منها “بوابة الشرق” و”ثغر السودان الباسم” و”وردة البحر الأحمر”، وتشتهر بالسياحة إذ تحوي عديداً من المصايف والوديان والجبال الزاخرة بالحيوانات النادرة والصقور الضخمة والطيور الملونة والخنازير البرية والقطط الخلوية وأنواع من القرود إلى جانب الصدفيات التي تستخرج من البحر، كما أن معظم سكانها من قبائل البجا وبني عامر وبعض القبائل العربية التي تختلط بالدماء الزنجية واليمنية.
قرار اللورد كرومر
وأصل تسميتها إنجليزي، حين قرر اللورد كرومر إبان فترة حكمه بناء ميناء بحري ليحل محل ميناء سواكن، وكان الهدف الأساسي منه استقبال البوارج والسفن الحديثة. وفي خمسينيات القرن الماضي شهدت المدينة تطوراً ملحوظاً، حين تم تشييد المخازن داخل الميناء وخارجه وبرزت كمدينة حديثة ذات شوارع واسعة، وبحلول منتصف الثمانينيات بلغ نشاطها التجاري قمة انتعاشه.
وتضم المدينة الآن عدداً من البنوك ورئاسة هيئة الموانئ البحرية وكبريات شركات التجارة والملاحة، إضافة إلى مصفاة تكرير البترول ومصانع الغزل والنسيج وصوامع ومطاحن الغلال ومصانع إطارات السيارات ومصنع ضخم لتجميع السيارات مما زاد أهميتها تجارياً، كما تتمتع المدينة بخدمات طيران وشبكة اتصالات حديثة مع مدن السودان وطريق بري يصل الميناء بالعاصمة، إضافة إلى خط السكة الحديدية.
استمرار معارك الخرطوم جعل أهمية بورتسودان تتزايد من خلال نقل مؤسسات الدولة وبعثاتها الدبلوماسية لتباشر مهامها منها في تقديم الخدمات للمواطنين، سواء استخراج الجوازات أو عمل التأشيرات أو توثيق الشهادات للطلاب ومن ثم العبور خارج البلاد.
محطة موقتة
المواطن السوداني جعفر آدم أوضح أنه قدم إلى مدينة بورتسودان نازحاً من الخرطوم بعد أن طال أمد الحرب ليتخذها مقراً موقتاً لإقامة أفراد أسرته، وعقب الشروع في استخراج الجوازات سيغادر إلى مصر لتكون مقراً دائماً بعد معاناة طويلة من ويلات الحرب.
وأضاف آدم “معظم المدارس في العاصمة الخرطوم نقلت نشاطها إلى القاهرة، وفي نظري سيكون هناك استقرار في التعليم، فضلاً عن فرص الدخول إلى سوق العمل المصرية”.
ونوه بأن الخرطوم لا تصلح للعيش الآن بفضل القتال المحتدم، وجميع سكانها فروا بحثاً عن الاستقرار في مدينة بورتسودان موقتاً لينضموا إلى الملايين ممن شردتهم الحرب.
وقال آدم “خلال تجوالي بالمدينة للبحث عن سكن لاحظت أنها تكتظ بالنازحين مما جعل أسعار الشقق ترتفع ليصبح إيجار اليوم الواحد نحو 50 ألف جنيه سوداني (100 دولار). أما أجرة الفنادق فهي بحسب الدرجة وأقلها بـ60 ألف جنيه سوداني (110 دولارات). وعلى رغم ارتفاع الأسعار فإن عدد القادمين إلى مدينة بورتسودان يتزايد يوماً بعد يوم باعتبارها عاصمة إدارية، وقد تم نقل مرافق الدولة الحيوية إليها لتسهيل وتقديم الخدمات اللازمة للنازحين من جوازات وتأشيرات وغيرها من الإجراءات الضرورية للسفر خارج البلاد”.
ممرات آمنة
خالد عجب سائق حافلة سفرية من عطبرة إلى بورتسودان أشار إلى أن “حركة المركبات السفرية تبدأ منذ الصباح الباكر نظراً إلى طول المسافة البالغة 499.6 كيلومتر، وفي اليوم الواحد يغادر عدد كبير من الحافلات، ويتزايد العدد كلما اشتد النزوح”.
وأضاف أن سعر التذكرة يرتفع بارتفاع أسعار الوقود لتصل إلى 40 ألف جنيه سوداني (80 دولاراً) بدلاً من 20 ألفاً (40 دولاراً)، موضحاً أن حركة الحافلات السفرية في السابق كانت كثيفة نحو مدينة حلفا، على رغم كلفة السفر المرتفعة بحجة أن جميع من نزح من الخرطوم يريد المغادرة إلى مصر عبر معابر آمنة، وبسبب المعوقات التي واجهتهم غير الكل وجهته إلى مدينة بورتسودان لتوفيق أوضاعهم واستخراج الجوازات والتأشيرات من القنصلية المصرية في بورتسودان .
وزاد “نتوقع خلال الأيام المقبلة أن تنشط حركة الحافلات السفرية أكثر، كما نتوقع زيادة في سعر التذكرة بالتالي ستتفاقم أزمة النازحين”.
خيار صائب
المحلل الاستراتيجي اللواء أمين إسماعيل مجذوب يوضح أنه “بعد اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم كان لا بد من مزاولة الحكم من منطقة لم تتأثر بالاشتباكات، وكان اختيار مدينة بورتسودان لأسباب عديدة، أولاً لبعدها الجغرافي، وثانياً لتوفر وسائل الاتصال، وثالثاً وهو الأكثر أهمية وجود أكبر ميناء بحري إلى جانب المطار مما جعل اختيارها عاصمة إدارية صائباً، ورابعاً توفير البنى التحتية من مبان وطرق ومرافق خدمية”.
وأضاف أن الحكومة التنفيذية نقلت مهامها إلى بورتسودان لوجود سفارات الدول التي تربطها مصلحة مع السودان فيها، فضلاً عن وجود الدبلوماسيين والقنصليات وتحديداً المصرية والخليجية. إلى جانب أن هناك سفارات لدول أخرى ما يمكن الحكومة من تأدية مهامها وممارسة السيادة وحسم الأمور المالية من موازنة ومرتبات في ظل تعطيل وتدمير البنى التحتية.
ولفت إلى أن اختيار مدينة بورتسودان عاصمة بديلة وجد القبول من دول الجوار والقوى العالمية، وهذا خيار استراتيجي بفضله باشرت الدولة أعمالها الرسمية على رغم اكتظاظ المدينة بالنازحين مما يضيف أعباء وضغوطاً في توفير الخدمات بالشكل المطلوب.