
الخرطوم تضيق… والسودان فارغ
متابعات – الهدهد نيوز – تُقدّر عدد سكان ولاية الخرطوم بنحو 9 ملايين نسمة، أي ما يعادل ربع سكان السودان، لكن نسبة كبيرة منهم تواجه البطالة الحقيقية أو شبه البطالة، حيث يعمل نصف السكان في مهن هامشية أو بدون عمل منتج. وهذا يطرح تساؤلات حول ضرورة عودة جميع هؤلاء إلى العاصمة بعد النزوح الكبير الذي شهده السودان منذ اندلاع حرب 15 أبريل 2023.
مع تصاعد النزوح، انتقل الملايين من الخرطوم إلى مدن مختلفة، تصدرت بورتسودان القائمة تليها عطبرة، فضلاً عن الولايات الأخرى مثل القضارف وكسلا ونهر النيل والشمالية والنيل الأبيض. بعض النازحين اختاروا العودة إلى مناطق أصولهم، خاصة الذين لم يولدوا أو يعيشوا طويلًا في الخرطوم، بينما ولدت أجيال كاملة في العاصمة ولم تعرف مواطن جذورها.
ويشير الخبراء إلى أن العودة إلى الخرطوم مرتبطة غالبًا بالممتلكات والوظائف، إذ أن من يمتلكون بيوتًا وأعمالًا في العاصمة لديهم دوافع قوية للعودة، بينما من يعيشون في مساكن إيجار أو يعملون في أعمال هامشية قد لا تجد في العودة للخرطوم جدوى اقتصادية، خصوصًا مع تراجع الخدمات العامة مثل التعليم والصحة وضيق فرص العمل.
وبحسب تقديرات ميدانية، فإن عدد الذين لا ترتبط حياتهم الاقتصادية بالخرطوم ولا يمتلكون ممتلكات فيها قد لا يتجاوز خمسة آلاف شخص، ومع ذلك، يفضلون العودة بسبب نقص الخدمات والفرص في الولايات الأخرى.
ويؤكد الخبراء أن هذه الظاهرة تعكس أحد أكبر التحديات في السودان: سوء توزيع السكان، حيث تترك مناطق واسعة خالية بينما تتكدس الكتلة السكانية في العاصمة، مما يزيد الضغط على الخدمات والبنية التحتية.
وتشير التجارب السابقة إلى أن البيئة الحضرية الجاذبة للسكان يمكن أن تُحدث تحولًا كبيرًا، كما حدث في مشروع الجزيرة، وكسلا، وبورتسودان، وعطبرة، والأبيض، والفاشر ونيالا، حيث جذبت هذه المدن السكان من مختلف أنحاء السودان وحتى من الخارج.
ويشدد الخبراء على ضرورة وضع خطة استراتيجية لتأهيل المدن القديمة مثل مروي، واستحداث مدن جديدة في مناطق الفراغ الجغرافي مثل إقليم الفشقة، بهدف إعادة توزيع السكان بشكل يحقق مزايا اجتماعية واقتصادية ويعزز الأمن القومي، خصوصًا في مناطق شاسعة وفيرة بالخيرات لكنها خالية من الحياة البشرية.
من هنا، يطرح السؤال المركزي: لماذا تفترض الحكومة أن جميع سكان الخرطوم يجب أن يعودوا إليها، في ظل الإمكانات المحدودة والفرص الضيقة في العاصمة؟ وتظل الإجابة مفتاحًا لوضع استراتيجية فعّالة لإعادة توزيع الكتلة السكانية وتحقيق تنمية مستدامة في السودان.