
أم درمان تقترب للخضوع
متابعات _ الهدهد نيوز _ في تطور ميداني بالغ الأهمية، تواصل القوات المسلحة السودانية تحقيق تقدم استراتيجي في جنوب مدينة أم درمان، حيث باتت على مقربة من منطقة “الصالحة” الحيوية والريف الجنوبي الذي يضم عددًا من قرى الجموعية، وهي من آخر الجيوب التي لا تزال خاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع داخل العاصمة الخرطوم. وتشير المعلومات الميدانية إلى أن القوات المسلحة تمكنت، يوم السبت، من السيطرة الكاملة على منطقة البنك العقاري الواقعة في أقصى غرب أم درمان، بعد عملية عسكرية محكمة نفذتها وحدات من سلاح المهندسين المعروفة باسم “تكساس”، وبمساندة قوات إضافية، حيث أُنجز تطهير المربعات السكنية المجاورة تمهيدًا لمرحلة جديدة من العمليات الرامية إلى استعادة السيطرة الكاملة على العاصمة.
في هذا السياق، أكدت مصادر محلية، من بينها تنسيقية لجان مقاومة كرري، أن الجيش أحرز تقدمًا ملحوظًا في عدد من الأحياء والمواقع ذات الأهمية الميدانية، من بينها المربعات (26، 33، 34)، وحي الصالحين، ومحطة البكاسي، والحارة 38 الواقعة جنوب سوق ليبيا، بالإضافة إلى مواقع قرب “صينية أنغولا”، وهو ما يُعد مؤشراً على ثبات التمركز العسكري للقوات النظامية في المحور الجنوبي من المدينة، وقدرتها على التوسع والضغط باتجاه آخر معاقل الدعم السريع. كما تقدمت القوات المسلحة باتجاه منطقة “الكسارات”، الواقعة بالقرب من مدينة الصالحة، ما يُمهِّد لالتقاء محتمل مع وحدات أخرى قادمة من أمبدة، وهو ما يعني تطويق القوات المتمردة من أكثر من محور، ويُسرِّع من وتيرة الحسم العسكري في المنطقة.
وشهدت العمليات العسكرية الأخيرة أيضًا تنفيذ قصف مدفعي دقيق من قواعد الجيش في وادي سيدنا، استهدف مواقع قوات الدعم السريع غرب أم درمان، وأدى إلى قطع طريق (الفجر) الحيوي، وهو أحد الممرات الاستراتيجية التي كانت تستخدمها المليشيا في عمليات الإمداد والتنقل بين الفتيحاب والكسارات وجبل طورية وصولًا إلى الصالحة. وتُعد السيطرة على هذا الطريق ضربة موجعة لقوات الدعم السريع، حيث يمثل شريانًا حيويًا كان يربط وسط وغرب أم درمان، ويُسهم في تعزيز تحركاتهم اللوجستية، مما يُعزز من فرص الجيش في عزل المليشيا عن محيط أمبدة وجبل أولياء.
ويُنظر إلى التقدم العسكري الجاري باعتباره تتويجًا لسلسلة عمليات ميدانية بدأت منذ مارس 2024، انطلقت من قواعد سلاح المهندسين، وتدرجت نحو أحياء ذات كثافة سكانية عالية، وصولًا إلى عمق المناطق المحصنة التي كانت تشكل معاقل رئيسية للمليشيا داخل الخرطوم. وتشير المؤشرات الحالية إلى أن الجيش بات قاب قوسين أو أدنى من حسم المعركة ميدانيًا داخل العاصمة، في تطور قد يُشكل تحولًا استراتيجيًا في مسار الصراع.
في المقابل، لا تزال منطقة الصالحة تشهد أوضاعًا إنسانية مأساوية نتيجة استمرار سيطرة قوات الدعم السريع، حيث أفادت شهادات محلية بوقوع انتهاكات جسيمة شملت القتل خارج القانون، واعتقالات تعسفية، وتعذيب ممنهج، من أبرزها مجزرة 27 أبريل التي راح ضحيتها 31 مدنيًا، بينهم أطفال ونساء. كما تعاني المنطقة من انهيار تام في القطاع الصحي بعد تدمير ونهب المرافق الطبية، ما أدى إلى تفشي أمراض مثل الكوليرا، في ظل انعدام شبه كامل للخدمات الأساسية كالمياه والغذاء، نتيجة الحصار المفروض.
ورغم المشهد الإنساني القاتم، يظل التقدم العسكري المتسارع للقوات المسلحة بارقة أمل لسكان الصالحة والمناطق المجاورة، إذ يُمكن أن يسهم في فك الحصار، واستعادة الأمن، وإعادة الخدمات الحيوية التي تعطلت بسبب الحرب. ويُتوقع أن تُشكّل السيطرة الكاملة على هذه المناطق لحظة مفصلية نحو إعادة بسط سلطة الدولة في العاصمة، وإنهاء مظاهر الفوضى والتمرد التي خلفتها الحرب.