
متابعات – الهدهد نيوز – استطاع فريق تحرير “مراقبون فرانس 24” عبر وثائق حصرية الوصول إلى معلومات دقيقة تتعلق بقذائف مدفعية بلغارية الصنع تم العثور عليها في السودان، رغم خضوع هذا البلد لحظر أوروبي على استيراد الأسلحة.
وتبين أن هذه الذخائر تم شراؤها في البداية من قبل شركة إماراتية تدعى “إنترناشونال غولدن غروب”، المعروفة بسجلها في إعادة توجيه الأسلحة إلى مناطق نزاع، أبرزها ليبيا.
التحقيق كشف تفاصيل عقد معقد أوصل هذه القذائف إلى ساحة النزاع في السودان، وتحديدًا إلى أيدي قوات الدعم السريع، وهي ميليشيا شبه عسكرية تقاتل الجيش السوداني منذ أبريل 2023.
وقد ظهرت هذه القذائف في مقاطع مصوّرة بتاريخ 21 نوفمبر 2024. رغم التأكيد البلغاري على أن التراخيص صدرت لصالح دولة لا تخضع لعقوبات أممية، فإن الوثائق المسربة أثبتت أن الجيش الإماراتي كان المستخدم النهائي الرسمي لهذه الأسلحة، وفق شهادة تسليم موقعة بتاريخ 16 أغسطس 2020.
تشير الوثائق إلى أن الكميات المُسلّمة كانت ضخمة: 15 ألف قذيفة عيار 81 ملم، و30 ألف قذيفة من عيار 82 ملم، بالإضافة إلى أكثر من 11 ألف قذيفة عيار 120 ملم.
جرت عمليات التسليم على دفعتين مطلع عام 2020، عبر شركتين؛ واحدة بلغارية تدعى “آرم بي جي” باعتبارها المزوّد، والأخرى إماراتية وهي “إنترناشونال غولدن غروب” كمورّد، فيما لم تُذكر الشركة المصنعة “دوناريت” صراحة في الوثائق.
وثيقة ثانية حصل عليها الفريق تؤكد نفس العقد ونفس الشركتين، وتذكر كمية أكبر من الذخائر تصل إلى 105 آلاف قذيفة، ما يفتح الباب لتساؤلات بشأن مصير الكميات الزائدة غير الموثقة في وثيقة التسليم.
ويعتقد الخبراء، ومنهم الباحث نيكولاس مارش، أن هذه الكمية قد تصل قيمتها إلى 50 مليون يورو، وهو مبلغ هائل نسبياً مقارنة بإجمالي صادرات بلغاريا الدفاعية السنوية إلى الإمارات.
اللافت أن شركة “آرم بي جي”، التي وُصفت بالمزود، لا تضم سوى أربعة موظفين حسب قاعدة بيانات “أوربيس”، وقد شهدت أرباحها قفزة كبيرة في عامي 2019 و2020، ثم تراجعت بشكل حاد لاحقًا.
مديرها أصرّ على قانونية الصفقة، مؤكداً أنها تمت وفق المعايير الدولية، رغم الإشارة إليها كمصدر رسمي في الوثائق الإماراتية.
أما شركة “إنترناشونال غولدن غروب”، فقد تم توثيق تورطها المتكرر في تحويل وجهة الأسلحة، وفق ما جاء في عدة تقارير أممية. إذ سبق أن ورد اسمها في حالات تصدير غير قانونية إلى ليبيا، حيث ساهمت في تزويد قوات خليفة حفتر بذخائر رغم الحظر الدولي المفروض.
وتحدثت تقارير الأمم المتحدة عن تحويل وجهة طائرات محملة بالذخائر إلى ليبيا، رغم أن المستندات الرسمية كانت تشير إلى الإمارات كمستخدم نهائي.
ومنذ عام 2013، تربط تقارير متكررة الشركة الإماراتية بتجاوزات في أسواق الأسلحة، خاصة فيما يخص ليبيا. في إحدى الحالات، نُقلت ذخائر مباشرة إلى بنغازي بعد تغيير مسار طائرة كانت موجهة رسمياً إلى الإمارات. وتوضح الوثائق أن السلطات البلغارية كانت على علم بهذه الأنشطة منذ عام 2016، إلا أنها استمرت بمنح التراخيص.
الخبير نيكولاس مارش يرى أن على بلغاريا التوقف عن إصدار أي تراخيص تصدير لشركة “إنترناشونال غولدن غروب”، أو على الأقل تشديد الرقابة على مثل هذه الصفقات، إلا أن ذلك لم يحدث.
السلطات البلغارية لم تقدم أي رد حول ما إذا كانت تعلم بتورط الشركة الإماراتية سابقاً عند منحها التراخيص في 2019.
وبينما يظل مصير الشحنة البلغارية بعد وصولها للإمارات غامضًا، ولم تؤكد أي جهة ما إذا تم نقلها لاحقًا إلى السودان أو إلى شرق ليبيا، لا تزال المعلومات بشأن هذه المرحلة الأخيرة من عملية النقل غائبة.
إلا أن هناك خيطاً آخر قد يكشف عن هذه التفاصيل، وهو تعقب هوية الأفراد الذين ظهروا في مقاطع الفيديو التي وثّقها مقاتلون سودانيون في 24 نوفمبر 2024، والتي قد تقود إلى كشف بقية خيوط القضية.