اخبارمقالات

تحالف في الظل: كيف انتقلت “قحت” و”الدعم السريع” من الخصومة إلى التنسيق الخفي؟

متابعات _ الهدهد نيوز

تحالف في الظل: كيف انتقلت “قحت” و”الدعم السريع” من الخصومة إلى التنسيق الخفي؟

 

متابعات _ الهدهد نيوز _ في سردية درامية تكاد تتجاوز حدود السياسة إلى مناطق الغموض والخيانة والدهشة، يكشف الصحفي السوداني الصادق الرزيقي في سلسلة حلقات من بودكاست “بالسوداني”، أسراراً صادمة حول ما وصفه بأخطر تحالف سياسي وعسكري في تاريخ السودان الحديث، وهو التحالف الذي نشأ بين قوى الحرية والتغيير “قحت” وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”. ويغوص الرزيقي في عمق الأحداث من خلال شهادات وتحليلات ومعلومات مسربة، ليعرض أمام الجمهور رواية مثيرة لما جرى خلف الكواليس، منذ لحظة التوجس والعداء، وحتى الوصول إلى تفاهمات وتحالفات قلبت المشهد رأسًا على عقب.

 

 

تبدأ القصة، حسب الرزيقي، من لحظة ما بعد سقوط نظام البشير، حين وجدت قوى الحرية والتغيير نفسها في شراكة هشة ومتوترة مع المجلس العسكري، الذي كان يضم حينها قيادة الجيش وقوات الدعم السريع معًا. رغم التوترات الأولية بين الطرفين، إلا أن “قحت” كانت تدرك أن وجود حميدتي وقواته يشكل عاملًا حاسمًا في موازين القوة على الأرض. ومع مرور الوقت، بدأت خطوط الاتصال تتقاطع، وبدأت تفاهمات غير معلنة في التشكل.

 

 

يكشف الرزيقي أن لقاءات جمعت بين قادة من قوى الحرية والتغيير، من بينهم رموز بارزة، مع حميدتي شخصيًا، بعضها تم في الخرطوم، وأخرى خارج البلاد، وخاصة في أبوظبي. لم تكن اللقاءات بغرض الحوار فقط، بل كانت منصات لتنسيق المواقف وتوزيع الأدوار في المشهد السياسي القادم. ويشير إلى أن بعض هذه الاجتماعات تمت تحت رعاية مباشرة من مسؤولين إماراتيين، كانوا يسعون لصياغة ترتيبات جديدة تضمن بقاء الدعم السريع لاعبًا رئيسيًا في الساحة السودانية، حتى لو كان ذلك على حساب الجيش الوطني.

 

 

الاتفاق الإطاري، الذي أحدث شرخًا واسعًا داخل المؤسسة العسكرية، وُصف من قبل الرزيقي بأنه “وثيقة مترجمة لتفكيك الجيش”، حيث يرى أنه لم يكن سوى خطوة محسوبة ومدروسة لتقليص نفوذ الجيش، وتمكين الدعم السريع من خلال غطاء مدني وسياسي يمنحه الشرعية والدعم الخارجي. ويشير إلى أن من صاغ بنود الاتفاق الإطاري كانوا مدركين تمامًا لما يفعلونه، وأن بعض البنود كتبت فعليًا خارج السودان، بتنسيق كامل مع داعمي هذا التحالف في الخارج.

 

 

وفي الحلقة الرابعة من البودكاست، يفجّر الرزيقي مفاجآت جديدة حول دور لجنة إزالة التمكين، التي كانت – حسب روايته – أداة سياسية أكثر منها قانونية، استُخدمت لتصفية الخصوم السياسيين، ومنح الدعم السريع وأعوانه فرصة التمدد داخل مؤسسات الدولة الاقتصادية والسيادية. ويتحدث عن تدخل مباشر لقيادات في “قحت” لتوجيه قرارات اللجنة نحو خصوم محددين، مما أثار سخطًا واسعًا داخل الشارع السوداني، وفتح الباب أمام اتهامات باستخدام الدولة لتصفية الحسابات الشخصية والحزبية.

 

 

ويضيف أن “قحت” كانت مدركة منذ وقت مبكر أن التحالف مع الدعم السريع هو السلم الوحيد الذي يمكنها من العودة إلى الحكم أو الاحتفاظ بنفوذها، خاصة بعد تراجع شعبيتها وانقسام صفوفها الداخلية. في المقابل، رأى حميدتي في هذا التحالف وسيلة لتقويض نفوذ الجيش، الذي بات يرى فيه تهديدًا لمستقبله السياسي والعسكري، خاصة بعد انكشاف طموحاته المتزايدة للسلطة.

 

 

الرزيقي لا يتوقف عند التحليل السياسي فقط، بل يستند إلى وثائق وشهادات وأصوات من داخل قحت والدعم السريع، ويكشف أن بعض قيادات “قحت” قدمت تعهدات مباشرة لحميدتي بدعمه سياسيًا وإعلاميًا، بل وحتى في المحافل الدولية، مقابل ضمانات بالبقاء في المشهد وعدم تعرضهم للملاحقة أو التهميش. وتحدث أيضًا عن تقارير أمنية داخلية كانت تحذّر من هذا التحالف، وتكشف عن تنسيق أمني ومعلوماتي بين عناصر في الدعم السريع وقيادات مدنية بارزة.

 

 

في الحلقة الخامسة، يذهب الرزيقي إلى مدى أبعد، حين يؤكد أن التحالف بين “قحت” والدعم السريع لم يكن وليد صدفة أو ضغوط سياسية داخلية فقط، بل كان جزءًا من ترتيبات إقليمية معقدة، خططت لها أطراف إقليمية، في مقدمتها الإمارات، التي رأت في هذا التحالف وسيلة لإعادة صياغة المشهد السوداني بما يخدم مصالحها السياسية والاقتصادية. ويذكر أن شخصيات إماراتية على صلة بمراكز القرار كانت تضغط لتقريب وجهات النظر بين حميدتي وقوى الحرية والتغيير، وتعمل على تقديم دعم مالي ولوجستي سخي للطرفين.

 

 

الرزيقي يشير أيضًا إلى دور الإعلام الموجّه، الذي لعب دورًا كبيرًا في تحسين صورة الدعم السريع لدى الشارع السوداني، من خلال حملات إعلامية ضخمة، تولّت بعضها منصات محسوبة على “قحت”، أو قريبة منها، في محاولة لتغيير الرواية السائدة عن حميدتي من كونه “جزار القيادة العامة” إلى “الزعيم المنقذ”.

 

 

 

لكن التحالف، كما يروي الرزيقي، لم يكن دائمًا متناغمًا. فقد شهدت فترات توتر وشك متبادل، خاصة في لحظات حرجة مثل قرارات حل لجنة التمكين، ومطالب إصلاح القطاع الأمني. ومع ذلك، ظل الطرفان متمسكين بالتحالف كخيار إستراتيجي، يتجاوز الخلافات الظرفية. وفي نهاية المطاف، شكل هذا التحالف، حسب وصف الرزيقي، رأس الرمح في الأحداث التي قادت لاحقًا إلى اندلاع الحرب الحالية، التي مزقت السودان، وشردت الملايين، وأعادت البلد إلى مربع الفوضى.

 

 

 

وفي الوقت الذي تستمر فيه الحرب، يؤكد الرزيقي أن خيوط التحالف لم تنقطع، وأن بعض قادة “قحت” ما زالوا يحتفظون بعلاقات قوية مع قيادات الدعم السريع، ويتواصلون معهم بطرق مختلفة، سواء عبر وسطاء، أو من خلال منصات خارجية. ويقول إن الرهان ما زال قائمًا، لدى بعضهم، على إمكانية عودة التحالف بعد نهاية الحرب، لتشكيل سلطة جديدة تُقصي الجيش تمامًا، وتعطي الأولوية لمن يديرون المشهد من خلف الستار.

 

 

 

المتابع لسلسلة حلقات بودكاست “بالسوداني” يخرج بانطباع واضح أن ما يجري في السودان ليس مجرد صراع تقليدي بين الجيش والدعم السريع، بل هو معركة نفوذ متعددة الأوجه، تُدار في كثير من الأحيان خارج الحدود، ويُستخدم فيها المدنيون والعسكريون على حد سواء كأدوات لتنفيذ خطط أكبر. ويبدو أن التحالف بين “قحت” والدعم السريع لم يكن سوى أحد هذه الأدوات، التي أُحكم استخدامها في وقت محدد، لتوجيه دفة البلاد نحو مسارات لم يكن غالبية السودانيين يتوقعونها.

 

 

 

وفي ظل الغموض الذي ما زال يكتنف مستقبل السودان، تبقى روايات مثل تلك التي يقدمها الصادق الرزيقي، سواء اتفقت معها أو اختلفت، ذات قيمة كبيرة في فتح النقاش حول ما حدث، ومن تسبب فيه، ومن يدفع الثمن الحقيقي. هي محاولة، في أقل تقدير، لكشف الستار عن ما جرى ويجري، حتى لا يعيد التاريخ نفسه من جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى