
جهاز المخابرات بكسلا يكشف أسرار إحباط التمرد ويؤكد
متابعات _ الهدهد نيوز _ في ظلّ التحولات الكبرى التي يشهدها السودان واشتداد التهديدات الأمنية العابرة للحدود، جاءت زيارة “الهدهد نيوز” إلى ولاية كسلا كفرصة فريدة للوقوف على تفاصيل المشهد الأمني والاستخباراتي في واحدة من الولايات التي صمدت أمام عواصف الحرب دون أن تُخترق، وذلك بفضل يقظة مؤسساتها وتكامل جهود مواطنيها مع الأجهزة المختصة. فمنذ لحظة الوصول إلى مطار كسلا، ظهرت مؤشرات الجاهزية العالية في تناغم واضح بين الأجهزة النظامية، بداية من ارتكازات المطار إلى الأطواق الأمنية المنتشرة داخل المدينة وعلى أطرافها الحيوية. ولم يكن هذا المشهد العسكري التقليدي هو المحور الوحيد، بل بدت خلف كل حركة تقديرات استخباراتية دقيقة، تُدار بعناية واحتراف على مدار الساعة.
في لقاء خاص مع قيادات جهاز المخابرات العامة بكسلا، أُزيح الستار عن كثير من الأدوار غير المرئية التي تضطلع بها هذه المؤسسة الأمنية السيادية، والتي باتت – بحسب تعبير أحد الضباط – “شريكًا أصيلاً في بناء الدولة وليس مجرد أداة لرصد التهديدات”. فقد أكد مدير جهاز المخابرات العامة بالولاية أن الجهاز لا يعمل فقط على تأمين الحدود ومواجهة التهديدات، بل يشارك فعليًا في أنشطة مجتمعية متنوعة، تشمل دعم النازحين، تأمين المعسكرات، المساهمة في الحملات الصحية، وحتى المبادرات الثقافية والرياضية.
وأوضح المسؤول الأمني أن الجهاز كان حاسمًا في مواجهة أي محاولات لتسريب الفوضى إلى كسلا، مؤكدًا أن أية محاولة لتوظيف اللاجئين في أنشطة تهدد أمن السودان تُرصد فورًا وتُقابل بالحسم، مشيرًا إلى أن الجهاز يتعاون بشكل لصيق مع معتمدية اللاجئين ووكالات الأمم المتحدة لضبط ملف الوجود الأجنبي، خاصة داخل معسكرات الشجراب، الشُقر، الشريفين، وود شريفي. وأضاف: “نحن لا ننتظر وقوع الحدث، بل نتحرك وفق تقديرات تسبقه”، مشيرًا إلى أن بعض القضايا الأمنية تمت مواجهتها بمحاكمات صارمة وصلت في بعضها إلى حد الإعدام.
وفي رده على تساؤلات “الهدهد نيوز”، أشار مدير الجهاز إلى أن ولاية كسلا تُعد من الولايات القليلة التي لم تدخلها يد التمرد، بفضل ما وصفه بـ”الجاهزية الاستخباراتية والوعي المجتمعي”. وكشف أن الخلية الأمنية في الولاية تُعد من أنجح التجارب الأمنية، وقد تم تعميمها على ولايات أخرى، لما أثبتته من كفاءة في التنسيق بين الأجهزة المختلفة، والتعامل الاستباقي مع التهديدات.
وبعيدًا عن العمل الأمني التقليدي، لم يغفل الجهاز دوره في دعم الفعاليات المدنية، حيث شارك بفعالية في تنظيم منتديات ثقافية، بينها منتدى تناول دور الأغنية الوطنية في دعم القوات النظامية، وتم فيه تكريم مطربين وشعراء أسهموا بأعمال فنية وطنية، إلى جانب دعم مباشر للأندية والاتحادات المحلية، في مسعى لإعادة الحياة إلى المدينة التي استقبلت آلاف النازحين الهاربين من جحيم الحرب في ولايات أخرى.
وفي هذا السياق، أشار مدير الجهاز إلى الدور الفاعل الذي لعبه منذ اندلاع الحرب في تأمين وتسكين النازحين، بالتنسيق مع غرفة الطوارئ العليا، مؤكدًا أن الجهاز ساهم في تأمين المعسكرات، ومراقبة التحركات، ومنع تسلل أي عناصر معادية وسط هذا التدفق السكاني الكثيف. وأضاف أن للجهاز أيضًا مساهمات مهمة خلال الكوارث الطبيعية، مثل مشاركته في حملات رش خلال فصل الخريف الماضي، في إطار جهود مكافحة الأمراض.
وفي رد حاسم حول النشاط الميداني العسكري، أكد أن جهاز المخابرات العامة شارك بفعالية في معركة الكرامة، وقدّم عددًا من الشهداء والجرحى، مشيرًا إلى أن متحركات الجهاز كانت في طليعة القوات التي تصدت للتمرد في الجزيرة، ولا تزال وحدات خاصة تواصل مهامها في المحاور الشرقية والمناطق الحدودية حتى الآن.
وفي سؤال عن المخاطر الداخلية، أوضح أن الجهاز لا يغفل وجود خلايا نائمة أو محاولات تسلل، وقال: “نحن نرصد ونتابع ونتعامل بصرامة مع أي تهديد، وقد تمّت محاكمات صارمة لعدد من المتورطين في أنشطة معادية”. وأضاف أن الجهاز لا يتعامل فقط بالأدوات الأمنية، بل يؤمن بأن “المواطن هو جهاز الأمن الأول”، مشددًا على أهمية الوعي كعنصر أساسي في حماية المجتمع من التهديدات المختلفة، وعلى رأسها المخدرات التي وصفها بأنها لم تعد جريمة فردية، بل سلاح جيوسياسي يُستخدم لضرب المجتمعات من الداخل.
وفي ختام اللقاء، وجهت قيادات الجهاز رسالة طمأنة إلى مواطني كسلا، جاء فيها أن “الوضع الأمني مستقر، ومراقب على مدار الساعة”، وأن الجهاز سيواصل القيام بدوره في حماية الوطن والمواطن، مؤكدين أن العمل الاستخباراتي والأمني لا ينفصل عن الدور المجتمعي، وأن التحديات تتطلب تضافر الجميع. ودعت الرسالة المواطنين إلى عدم الانسياق وراء الشائعات، والمساهمة في الإبلاغ عن أي نشاط مشبوه، فالأمن – كما وصفه الضباط – “مسؤولية جماعية تبدأ من الوعي وتنتهي بالمشاركة الفاعلة”.